غَرفة من بحر النبوة
تأليف الشيخ: إبراهيم منصور
أهاجكَ الشوق والتطريبُ والزجَلُ فأسرفتْ في توالي دمعِها المقل
أم فاتَكَ الركبُ إذ خفَّ الحُداة به فحالَ دون سُليمى السهلُ والجبل
فليس إلا طُلولٌ ضلَّ طالبُها يرتادُها بعد سلمى الذئبُ والوعِل
يلَذّ فيها بكائي الليلَ أسهره والبدرُ يشهدني، والدمعُ ينهمل
إذا خلوتُ إلى نفسي تهيَّمني ذِكرُ الأحبةِ، ما قالوا وما فعلوا
والقلبُ خفقة مشتاقٍ ألمَّ به خَطْبُ النوى، فنَحيبُ القلب متصل
يا قلبُ فامسحْ جراحًا فيكَ مزمنةً واعلم بأن الأُلى تهواهم مُطُل
فما سُعادُ أبي سُلمى بمُنجزة وُعودَها الصبَّ وهو الوالهُ الغزِلُ
والعامرية ما أغنى الهيامُ بها قيسًا، وأجفانُه بالسُّهد تكتحل
واعشق أيا قلبُ مَن دانَ الجمالُ له وذِكرُه ملءُ أسماع العلى رَتِل
***
يا مَن له المجد أعيا من يُطاوله سليلُ بيتِ العُلى، فالفضل مكتملُ
راياتك البِيضُ في الأنحاء خافقة وشرْعكَ السمحُ لا يرقى له الجدل
وأسدُك الصحبُ جابوا الأرضَ واسعة رحابُها، في سبيل الله قد رَحلوا
فلِلميادين مِن تَصوالهم ذِكَرٌ وللمنابر من تذكيرهم وجَلُ
سل العراق وأطراف الجزيرة كم جادتْ بها البيضُ؟ أو كم أمطر النَّبِل؟
وسل دمشق وسل مصرًا وأندلسًا والقدسَ يفتحُها فاروقنا البطل
هذي منازل أجدادي وساحتهم فليخسأِ الكفرُ والإلحادُ والدجَلُ
***
يا أفضلَ الخلقِ من إنْسٍ ومِن ملَك وسيدَ الرسل، محفوفٌ بكَ الأمل
أتيتَ بدرًا بقومٍ لا عتادَ لهم سوى بقيةِ أسياف بها كلل
لكنما مُلِئتْ تلك الصدورُ تقىً وأخلِصَ القولُ للديّان والعملُ
وخضتَها وقعةَ الفرقانِ، قد فرقتْ بين الهدى والعمى، قد نارتِ السُّبلُ
خلّفتَ فيها أبا جهل صريع ثرىً في عُصبة كفرتْ، فليُضرَبِ المَثلُ
وأنتَ في أُحُدٍ راسٍ كما أُحُدٌ إذ يحتمي بكَ شهمُ القومِ والبطلُ
والنصر مُلكُ إلهِ المُلك يَمنحه للمؤمنين، فلا خوفٌ ولا وجَلُ
ويومَ عسكرَ أحزابُ الضلال وقد كادوا الرسولَ، ألا تبًا لما فعلوا
جاءتهم الريحُ ما أبْقت لهم أثرا فأدبروا وجناحُ الليل منسدلُ
فلتهْنَ طيبةُ زال البأسُ واندحرتْ جحافلُ الكفر دون الساح وارتحلوا
نصرٌ مِن الله، والفتحُ القريب دنا ودون ذلك إرصادٌ ومُقتتلُ
فاصبرْ وصابرْ ورابطْ فالمنى ذُلُلٌ للصابرين، وما ماتوا وإن قُتِلوا
***
يا سيدي عاث في الأرجاء مُفسِدها وكُلنا بلذيذ العيش منشغل
أعلام لينينَ حمْرٌ في مرابعنا وقومُ صهيونَ في مسراكَ قد نزلوا
مَخالبُ الكفر في أجسادنا نَشِبتْ وللمَخالب كَلْمٌ ليس يَندمل
والقومُ إمّا ضعيف قَلَّ ناصرُه أو عابثٌ سادرٌ في غَيه ثَمِل
فأين فينا أبو بكرٍ، وسيرتُه نهجُ الرسول؟ فنِعمَ النهجُ والسُّبُلُ
وأين فينا أبو حفص خليفتُه؟ الفاتحُ العادلُ العلامة الرجلُ
أم أين فينا صلاح الدين يجمعُنا وفي يديه كتابُ الله، والأسَل؟
***
يا إخوة الدِّين هذا الصبح فانتبهوا أنتم هُدى الناس، أنتم للهدى رُسلُ
فاستكثِروا من خصال الخير وابتدِروا إنّ المُقِلِّينَ قد ضلوا وقد جَهِلوا
يا ربُّ منك الهدى فاهدِ القلوب به وهبْ رشادًا فقد أودى بنا الزللُ
وامنحْ يقينًا متينًا نطمئنُّ به وَقوِّنا فالأعادي قد عتَوا وعلُوا
وصَلِّ ما شئتَ لا حصرًا ولا عددًا على النبي ومن ضحَّوا ومن بَذلوا