آخر المواضيع
اخترنا لكم




  الرئيسية    المولد والنشأة والبيئة
الحاج أحمد النبهان رحمه الله



مرات القراءة:2209    
أرسل إلى صديق
أبلغ عن مشكلة في هذه المادة

  الحاج أحمد النبهان،رحمه الله

1271 - 1363هـ/ 1853 - 1944م

 

ترجمة والد العارف بالله سيدنا الشيخ محمد النبهان -رضي الله عنه- كماجاءت في كتاب ((الدرر الحسان في تراجم أصحاب السيد النبهان))

 

هو السيد أحمد بن نبهان بن حمود بن خضر.

يلقب بالحاج أحمد «الليرات»، بسبب كثرة ليرات الذهب التي عنده.

موطن الأسرة الأصلي:

يعود موطن الحاج أحمد إلى قرية «الصُّفَّة» شرق مدينة حلب باتجاه مدينة الرقة، حيث كان يسكن والده نبهان.

«فعلى مشارف مدينة حلب من جهة الشرق تقع مجموعة من القرى المتجاورة تربط ما بينها صلة القرابة والنسب، وتشدُّها عصبيّة التلاحم للدفاع عن أفرادها، وقد اشتهر أهلها بالبأس والقوّة والاعتزاز بانتمائها إلى أصل واحد، وكانت في البداية تمثل وحدة قبليّة متكاملة تملك الأراضي الواسعة، تحدّها من الغرب قرية جبرين، ثم تتجه شرقًا لمسافة واسعة، ويحدّها من الجنوب الأراضي التي يملكها سكان قرية السفيرة، وأراضي تل عرن، وتل حاصل اللتين ينتمي سكانهما إلى الأكراد.

وتعرف هذه الأراضي الفلاحيَّة بأراضي الخضيرات الزبيديَّة نسبة إلى كبير هذه الأسرة القبليَّة «خضر الزبيدي» الذي اشتهر بالشجاعة والكرم والمروءة، وحظي بمكانة متميّزة بين القبائل التي ينتمي إليها، وأغلب الظن أنّه استوطن هذه الأرض المجاورة لمدينة حلب بعد خلاف مع أهل قبيلته الكبيرة ويقال: إنَّ أصول هذه القبيلة من شمال العراق، ويقال أيضًا: إنَّ أصلها يعود إلى الأسرة النبهانيّة التي حكمت «عُمان» في شرق الجزيرة العربيّة، وأقامت قلعة حصينة ما زالت قائمة حتى الآن في الأراضي العُمانيّة سمِّيت بقلعة جبرين، ثم استوطنت الأسرة الأراضي المجاورة لمدينة حلب.

 

وحمود بن خضر الزبيدي خَلَّف أربعة أولاد، هم:

1- حسين، الملقب بـ «حوت» لطوله.

2- وأحمد، الملقب بـ «غانم» لكرمه.

3- وحسن.

4- ونبهان «جد سيدنا النبهان»، الذي خلَّف جنيد، ومحمد، وأحمد (والد سيدنا).

وسكن كلّ واحد من أولاد حمود زاوية من زوايا الأرض التي يملكها أبوهم، وهكذا أنشئت أربع قرى متقاربة، وسكن كلّ ابن مع أسرته في أرضه التي عكف على زراعتها والعناية بها، وأصبحت أرض الخضيرات تضم أربع قرى:

1- قرية الدْوِيْرِيْنِة، ويسكنها حسن.

2- وقرية الصّفْة، ويسكنها نبهان.

3- وقرية التِّيَارة، ويسكنها حسين المعروف بالحوت.

4- وقرية مِيْر الحْصِين، ويسكنها غانم.

تكاثر الأولاد والأحفاد، وأصبحت كلّ قرية مستقلّة بأمرها، تتنافس مرّة وتتلاقى مرَّة أخرى، كما هو الشأن في الحياة القبليّة، واشتهرت قرى الخضيرات بالثروة والمال، وكثرة المواشي والإبل، وكانوا يخدمون أرضهم بيدهم، ويسعى الأبناء لتنمية ثروة الأسرة، وأحيانًا كانت تقع مواجهات وانقسامات بين أبناء العمومة بسبب الخلاف على الأراضي والمصالح، ويلتقون جميعًا على كلمة واحدة عندما يتعرَّض أحدهم لاعتداء عليه.

الحاج أحمد النبهان

سكن نبهان في قريّـة الصفّة، وكانت أراضيها واسعة وخصبة، وكلّف ولده (أحمد) أن يحمل ثمرات الأرض والمواشي إلى أسواق مدينة حلب القريبة، فكان هذا الشاب يذهب في الصباح إلى المدينة ويعود في المساء حاملًا معه الأموال والسلع، وتعرف خلال رحلاته السريعة إلى تجَّار حلب وأسواقها، وعرف من أسرار التجارة ما جعله مؤهلًا لكي يستشيره أهل عشيرته في شؤون تجارتهم، فكان يحمل السلع في كلّ يوم، وأقام لنفسه مركزًا للتجارة في المدينة، يباشر فيه مهمّة البيع والشراء، ويتلقّى السلع من قومه ويبيعها لهم في المدينة.

وقد أحبّ أحمد بن نبهان حلب وتعلّق بها، وأصبح مشدودًا إلى حياة المدينة، معجبًا بالتجارة، متطلّعًا إلى ممارستها، وكان ذكيًّا صاحب شخصيّة قويّة، وأدرك بحسّه الفطري أنَّ الفِلاحة مهما ارتقت أسبابها فإنّها لا توفّر له طموحه في الثروة والمال، ولا تعده لحياة أفضل يتطلع إليها، والفلاح مستضعف في المدينة مهما كان قويًّا في قومه، ولا يأخذ إلا القليل من حقه، فإنه يبيع سلعه بأقلّ الأثمان وبما يسد به الرمق ويكفل له حد الكفاية، ولا بد من اقتحام عالم التجارة في المدينة، فبدأ يتطلّع إلى حياة المدينة، ويخشى من نظرات أهله وعشيرته، فهم لا يريدون له هذا الانتقال، فأبناء الريف يختارون حياتهم الريفيّة البسيطة على حياة المدن، ويخشون من حياة المدن على قيمهم وتربية أبنائهم، أقوياء بين عشيرتهم، وضعفاء إذا انفصلوا عنهم، ولا بد لهم إن أرادوا حياة المدينة واختاروها من تدعيم مركزهم بعصبيّة قويّة تحميهم وتدافع عنهم، فالمدينة بأسرارها وخريطتها تُغرق كل من يقتحم عالمها إذا لم يحسن السباحة في مياهها، ولذا اختار أن يتزوَّج من فتاة من أسرة حلبيّة وأن يسكن في حي يطلّ على قومه وأهله بحيث يراهم في كل صباح يأتون إليه بسلعهم، ويكون عونًا لهم في تجارتهم، ويكونون أعوانًا له في التعامل مع الآخرين، وكان يعرف أنّه لا بد في التجارة من قوة تحمي التاجر وتدافع عنه وترد عليه حقه ([1]). 

زواجه:

تزوج الحاج أحمد نبهان ثلاث مرات:

الأولى: له منها بنت، ثم تزوجت هذه البنت وأنجبت ولدًا اسمه (سيفو).

الزوجة الثانية: لم تنجب.

الزوجة الثالثة: أم السيد النبهان وإخوته، وهي السيدة الحسيبة النسيبة فاطمة بنت محمود بن عبد العزيز بن خشمان، من ذرّية السيّدة فاطمة الزهراء البتول بنت سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم (توفيت سنة 1952م).

وكان السيد النبهان رضي الله عنه يعتز بانتسابه هذا ويقول: «سيّدتنا فاطمة الزهراء أمي، وآل البيت أخوالي».

والسيدة «فاطمة الخشمان» هي ابنة أسرة أصلها من قرية «تل شغيب» كانت تسكن في حي باب النيرب المعروف بأُسَرِهِ التي تنتمي إلى عشائر ذات قوة وبأس، وأصبح للحاج أحمد أسرة من أهل زوجته تقف إلى جانبه في الشدائد.

لم تكن هذه الأسرة من الأسر القويّة التي تحكم هذا الحي الحلبي المعروف بصراعاته وتنافس عائلاته القويّة ذات العصبيّة على زعامته، ولم يكن للوافد من أبناء الريف أن يتزوج من تلك العائلات القويّة، إلَّا بعد أن يأخذ موقعه في صفوفهم بقوته الشخصيّة وبمكانته الاجتماعيّة وبعائلته التي تقف خلفه في الشدائد والمواجهات.

استطاع الشاب أحمد نبهان أن يأخذ موقعه الاجتماعي في الوسط الذي عاش فيه، حيث فتحت له الأبواب وأصبح مرحَّبًا به في كلّ مكان، وعقد صلات وصداقات مع الأسر العريقة ذات النفوذ، وحقق نجاحًا واسعًا في مجال التجارة والمال، وأصبح الكلّ ينظر إليه بإعجاب واحترام، وأصبح بفضل تجارته الواسعة وشخصيته القويّة ودهائه يحظى بالاحترام.

كان «أحمد نبهان» يدرك أنه يحتاج إلى أبناء ذكور، يقفون إلى جانبه ويدعمون مركزه الاجتماعي، ويوجههم لتسيير أعماله التجاريّة التي اتسعت مع كثرة الأولاد في المجتمعات العشائريّة قوة وهم العصبيّة الأقوى، التي تدافع عن نفسها بقوة رجالها، ومن لا ولد له لا قوة له، ومن لا قوة له فسرعان ما تتساقط عليه الطيور الجارحة طامعة في زاده، مهددة له إن تعرض لها بسوء([2]).

 

أولاد الحاج أحمد بحسب الترتيب العمري:

·        نبهان، توفي وهو صغير، وعمره خمس أو ست سنوات.

·        السيد محمد النبهان رضي الله عنه  (1900-1974م).

·        حسن (1905- 1990م).

·        خديجة، وزوجها عبدو بن علي ابن الحاج محمد النبهان (1906م-1988م).

·        الحاج علي، وهو مسجل رسميًّا بحاج علي (1907- 1979م).

·        عبد المجيد (1911- 1992م).

·        عبد الرحمن، توفي وعمره سنتان.

·        مجيدة، وزوجها ناجي بن فارس البري (1916 -1992م).

·        جميل (1920- 2010م).

·        جميلة، وزوجها الحاج حسين بن جنيد الحسن (1923- 1987م). 

مع ولده العارف بالله الشيخ محمد النبهان رضي الله عنه:

حين عزم العارف بالله سيدنا محمد النبهان رضي الله عنه على طلب العلم والتفرغ له فزع والده، وجزع حين علم بعزمه دخول مدارس الشرع لأنه أكبر إخوته، والعمل كله بعهدته، فكان يقول لولده: معقول يا ابني يطلع من بيت الزطّ مؤذّن؟!  وهو مثل عند أهل حلب أصله أن الزط لا يتوجهون إلى عمل ذي شأنٍ كالأذان، فكيف بطلب العلم! فتوسط لدى فضيلة الشيخ نجيب سراج([3]) -رحمه الله- لعله يُقنع ولده بالتراجع عن عزيمته، قال رضي الله عنه: «قال لي الشيخ نجيب رحمه الله: يا ابني، إرضاء والدك فرض والعلم فرض، احضر للعلم كل يوم ساعة. قلت: لا تكفيني. قال: اجعل النهار نصفين بين العلم والتجارة، قلت: جَبَسَتان (2) لا تحملان في كف، وإني أريد العلم. وحين أدرك الشيخ صدقَ إرادتي قال: أودُّ أن أعلمك علمًا، قلت: تفضّل. قال: قل كل يوم: اللهم ارزقني العلم النافع -ثلاث مرات- يَرضَ والدُك، ويُفتَحُ عليك فتوح العارفين. قلت: على راسي، هذه أتمكن منها.

قال رضي الله عنه: ثم أرسلت صاحبي إلى مفتي حلب آنذاك الشيخ أحمد الكردي([4])

-رحمه الله- فسأله لأجلي وجعل السؤال عن نفسه، فقال: والدي غنيّ، أمّي لا يقرأ ولا يكتب، وأنا أكبر أولاده، وأشتغل بتجارته، وأرغب في طلب العلم، لكنه لا يرضى! فقال له: اطلب العلم رضي أبوك أو لم يرضَ. فوجدته أشجع الشجعان.

يتابع السيد النبهان رضي الله عنه حديثه عن والده فيقول: «أبي -الله يرحمه- مارضي أن أدخل في العلم لكوني أنا كان كل المال في يدي، وأنا أكبر إخوتي، وأنا كنت في الدنيا ابن الدنيا، وابن غنى، لا من آحاد الناس، وكان المال كله بيدي وأنا أكبر أخوتي وكنت أعمل الوليمة الواحدة لثلاث مئة أو أربع مئة شخص.

بعدها دخلت على والدي و هو كبير، عمره خمسة وتسعون عامًا لكن كان ذكيًّا من الأذكياء، دخلت فقام واقفًا. قلت له: يا أبي اجلس. قال: والله يا ولدي أريد أن أبقى واقفًا على رجلي حتى تروح.

 والدي من الفهيمين، من أهل المَرْجع، يفهم، يدرك، يقدر. قلت له: ادع لإخوتي. قال: عذبوني. (بعض منهم بالزعامات). 

قلت له: أولادك هؤلاء بصحيفتك. فدعا لهم. 

قلت له: ادع لي.  قال: أنت أيضًا!  قلت له: أنا غير شكل؟  

قال : أنت كل من لا يحبك شقي، أنت -هذا كلامه، الله يرحمه- يا ابني تركت أمك وأباك وليراتك،  ولحقت الله والرسول، من لا يحبك أنت -يا ابني-   ومات -الله يرحمه- ليلته. والله صادق، والله صادق، والله صادق.

أنا أشهد ما قال أبي، والله أشهد -شيخي-، أنا أشهد شهادة ذوقية، وحقيقة.

أنا عندي كل ليرات الدنيا -ليس فقط ليرات أبي- كل ليرات الدنيا لا تساوي ورقة سيكارة وسخة.

بَغّضني الله في مال أبي، في أقاربي، في الدنيا، في الوجود، ليس فقط بغضني بل صار عندي وحشًا.

استوحشت من أهلي استوحشت من أصحابي، وحدي بهذا الجامع أقول:

فليت الذي بيني وبينَكَ عامِرٌ                    وبيني وبين العالمينَ  خَرَابُ

نحن لما أقبلنا على الله تركنا الليرات، تركنا الزعامات،كله كان بيدي فتركناه إلى الفقر الحقيقي، عدم الأكل، ما في أبدًا. أنا تركت مال أبي كله من أوله إلى آخره. وأردت الله».

قال رضي الله عنه عن والده: «والله صادق، والله صادق، والله صادق، كان أوّل مريد عندي هو والدي». 

توفي -رحمه الله- في حلب سنة 1363هـ / 1944م، ودفن في مقبرة باب النيرب.

 

مصادر الترجمة:

·        مذاكرات العارف بالله سيدنا الشيخ محمد النبهان  المسجلة في (أقراص ممغنطة)، محفوظة لديَّ.

·        كتاب «الشيخ محمد النبهان شخصيته، فكره، آثاره».

·        كتاب «السيد النبهان» ط3 (39:1) .

·        السيد محمد محفوظ بن الحاج علي النبهان، مراسلةً كتابيةً.

·        السيد بشار بن أحمد النبهان، مراسلةً كتابيةً.

 

ملفات مسموعة:

قول سيدنا: أبوي يقلي معقول يطلع من بيت الزط مؤذن!

 

قول سيدنا: وجدت الشيخ أحمد الكردي أشجع الكل.

 

السيد النبهان ووالده، وترك الدنيا.

 

قول السيد النبهان: بغضني في مال أبي، في أقاربي.

 

قول والده الحاج أحمد النبهان عنه.

 

--------------

الفهرس:

([1]) «الشيخ محمد النبهان شخصيته، فكره، آثاره» د. محمد فاروق النبهان (30).

([2])  «الشيخ محمد النبهان شخصيته، فكره، آثاره» (31).

([3]) الشيخ محمد نجيب سراج الدين (1373-1274هـ): علامة حلب الشيخ محمد نجيب ابن الحاج محمد ابن الحاج يوسف سراج الدين. ولد -رحمه الله- في حلب، انتسب إلى المدارس الشرعية، كالقرناصية والإسماعيلية والشعبانية القديمة، وأجازه شيوخها، وأجازه الشيخ المحدث محمد بدر الدين الحسني، وغيره. أسند إليه التدريس في المدارس الشرعية التي جاور فيها، ثم أسند إليه التدريس في الجامع الأموي في حلب، ثـم أسند إليه درس المحافظة

-درجة أولى- ثم أسند إليه التدريس في الجامع الحموي، ولما كبرت سنه وضعف تنازل عن الإمامة والخطابة لابنه المحدِّث الشيخ عبد الله. ثم توفي -رحمه الله- في السادس والعشرين من شعبان 1373هـ، ودفن في مقبرة (الشيخ سعود). وكان الشيخ نجيب سراج -رحمه الله- له علاقة مميزة بالسيد النبهان، وله معه زيارات خاصة،  وجلسة خاصة معه كل يوم خميس من الظهر إلى العصر كما جاء في تسجيل لسيدنا t. «مذاكرات السيد النبهان المسجلة» وكتاب «علماء من حلب في القرن الرابع عشر».

(2) مفردها جبَسَة، من اللهجة الدارجة في بعض بلاد الشام، تطلق على البطيخ الأحمر، أو (الرقي) عند العراقيين، و(الحبحب) عند أهل الحجاز.

 

([4]) الشيخ أحمد الكردي (1299هـ-1373هـ): مفتي حلب، ولد في قرية تل عرن، انتسب إلى مدارس حلب القديمة وتخرج فيها كالعثمانية، والشعبانية، والقرناصية، والإسماعيلية، والأحمدية،  ثم دَرّس في الخسروية،وغيرها. توفي في حلب ودفن في مقبرة كرز داده. انظر «علماء من حلب في القرن الرابع عشر» (224).