آخر المواضيع
اخترنا لكم




  الرئيسية    دعوته وعلومه
مؤشرات طريقته ومبادئ دعوته



مرات القراءة:8059    
أرسل إلى صديق
أبلغ عن مشكلة في هذه المادة

مؤشرات طريقته ومبادئ دعوته


• إنهّا دعوة بالإسلام وللإسلام دون تسمية ثانية تهدف إلى صحوة إسلامية عامّة ووعي صحيح موصول بالله ورسوله، بعيدة عن المداخل الطائفية والحزبية والإثارات الخِلافية، وهي مظهر كمال للصوفية الصادقة السائرة على خطى سلفنا الصالح أهل القرون الثلاثة الأولى المفضلة.

• كما إنّها امتداد للخط الوسط العام غير المتطرف أوالمتعصب أو المتحزب من أهل السنّة والجماعة، تنشد دستورية هذا الدين في جميع نُظُم الحياة وميادينها، وهي بهذا المعنى تغيير في النفس والأسرة والمجتمع والأمة.


• اعتمادها على كتاب الله تعالى وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم وفقــه المذاهب المعتبرة، دون تمييز لمذهب على آخر.


• حُبٌّ لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والأولياء أجمعين، وتتبع لسِيَرهم وآثارهم .

• تأسيس المساجد ومعاهد العلوم الشرعية والجمعيات الخيرية، للنهوض بالمسلمين وخدمتهم، وتحقيق آمالهم .


• تصحيح عادات الناس وتقاليدهم المخالفة للشرع الحنيف .

• اهتمام بالفرد المسلم وبيته، ضمن تربية صوفية محمّدية، تجمع كل المشارب والطرق، وفق مفاهيم العبدية لله تعالى، والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم ، وتزكية النفس.
• العناية بكل شرائح المجتمع وأطيافه، والعمل على بناء أسر شرعية، مجتنبة مزالق الجهل والجاهلية ونـزوات المدنية الماجنة التي لا ترتدع بعيب أو حرام.

• وأمّهات الفضائل من شرف وشجاعة، وكرم ونـزاهة، وصدق وأدب وإخلاص من أهمّ الأسس التي تقوم عليها، مع تعميق في معاني الغيرة على الدين والعِرض .

• التودد للمسلمين ومعاونتهم.

• إخماد الفتن .

• إبداء النصح للحكّام .


• إحياء المناسبات الإسلامية، كالمولد النبوي الشريف، والإسراء والمعراج، والهجرة، اعتزازاً بصاحب الذكرى واعتباراً بمآثره صلى الله عليه وسلم .


ملامح طريقته وطرق تربيته


قال  رضي الله عنه : (أحب جميع الطرق، وكلّها موصلة إلى الله، ولكن طريقتي محمّدية بحتة، عنوانها الاتباع لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحمّل الأذى من الناس وعن الناس، وعدم الدعاء على أحد. طريقتي مبنية على ركنين: في البداية تحمّل الأذى من الناس، وفي النهاية تحمّل الأذى عن الناس، طريقتنا محمّدية، طريقتنا الاتباع، كالصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم).

ومن طرقه التي ورثها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه يؤاخي بين اثنين يتناصحان ويتذاكران في الله، ولا يرضى لهما أن يتقاطعا إذا اختلفا في مسألة، فالاتفاق في تسعة وتسعين بالمائة لا يقضي عليه خطأ لا يعدل واحدا منها! ولا أن تفرق المادة بينهما، وهذه حالة لا ينجو منها إلا قليل.

ومع كثرة أوراده  رضي الله عنه فترة سيره وسلوكه فإنّه لم يهتم بتوزيع الأوراد على أتباعه (إلاّ : وِرْد : الله شاهدي، الله ناظري، الله معي ، ووِرد : يا عزيز أنت العزيز.. ففيهما إجازة عامة بشرطين: الحضور بين يدي الله تعالى، وعدم حب الدنيا.. وخفيف العقل لا يأذن له بورد) كما هو مألوف عند شيوخ الطرق، قال  رضي الله عنه : (أنا لا أقول لواحد قل ألف مرة سبحان الله، ألفي مرة الحمد الله، ثلاثة آلاف مرة أستغفر الله ولكني أقول له: إحفظ سمعك وبصرك ولسانك وأنا أضمن لك الوصول إلى الله)!! وزاد في قول آخر: (التهجد ) .

ولم ينشغل  رضي الله عنه بكثرة الأتباع والمريدين، بل بنوعيتهم، فالمنسوب إليه حقيقة هو الصادق، المتـّبع النـزيه الذاتي، الّذي لا يتنـزل لفعل المخالفة، المهتم بأمر نفسه وبيته وخدمة مجتمعه، على المنهج الّذي رسمه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه آل البيت الأطهار والصحابة الأبرار  رضي الله عنهم ، وليس في طريقته إلزام بعهد أو بيعة ولا خلفاء له أو وكلاء، قال  رضي الله عنه : (أنا ما خلّفتُ ولا وكّلتُ ).
 
ومن أجازه  رضي الله عنه من أتباعه لم يتجاوز حلقة الذّكر والنصيحة لإخوانه  رضي الله عنه.!!

وإذا كان بعض المتصوفة الكسولين والمدّعين يجمع المال من المريدين والمحسوبين!! فإنّه  رضي الله عنه الصوفي الذي يفرّق المال فيهم ولغيرهم، بل يستدين ويقضي حوائجهم، ولا يتحدث بإحسانه إليهم، وعلى ما هو عليه من علوّ الهمّة يريد أن يربي الشخصية الذّاتية في الرجال والنساء على السواء، ويوصل كلاً إلى المعرفة الإلهية والكمال الإنساني .



ومشاورة أصحابه في بعض الأمور التي تهم المسلمين خصلة متميزة في تعامله معهم، يقول  رضي الله عنه :( الّذي يقرّه المريدون هو مراد الشيخ ).

 
وإنّ الرجل الذي تتصاغر لديه الجبابرة، وتُسلِّم له الأكابر، وتلتهب عنده أكباد المحبين لم يترك لنفسه وقت فراغ، فكلّه لله بالله، والخدمة والمذاكرة شغله وديدنه لا يقدم المهم على الأهم، ولديه طرق لا تُحصى ولا تُستقصى، يردّ بها إلى الله تعالى كل ملحد مائل حائد عن الصواب، إلاّ أنّه لا ينسب لنفسه شيئاً بل {ذَلكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيْهِ مَنْ يَشَاءُ }[الجمعة 4 ] {وَمَا تَوْفِيْقِيْ إلاّ بِالله} [هود 88] ، ولا يرى نفسه موطن إفادة، بل مجرى للفوائد، فالمفيد الحقيقي والناصح هو الله سبحانه، يفيد وينصح بالله لله .

ومن باب {وَأمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحِدّثْ} [الضحى 11] يقول  رضي الله عنه : (نحن عندنا الكيمياء التي تحوّل الشقي إلى سعيد، والعدوّ إلى صديق، والبعيد إلى قريب ).

يعرض  رضي الله عنه بضاعته، دون أن ينتقص من بضاعة غيره ، ليستهوي القلوب ويجذبها، ويصبّ المعاني في أطهر الكؤوس والأواني .


ولا يجابه بالنصح، بل يتلطف بالمنصوح تلطُّف الجواهري بالجوهرة، حتى يمسح ما علق بها من غبار، فيستعمل القصة الموحية والإشارة المفهمّة، ولا يقرّع تصريحاً أو تلويحاً، وينفذ إلى قلب منصوحه من الباب الّذي يحبه، فيكلم التاجر بالتجارة، والمزارع بالزراعة، والغنّام بالغنم، والزعيم بالزعامة، والشجاع بالشجاعة، والطبيب بالطب، والعالم بالعلم، والقاضي بالقضاء، حتى إذا أصغى إليه الطبيب قال عن الشيخ: هذا أحسن الأطباء، وإذا أنصت إليه القاضي قال: لا يصلح للقضاء غيره! وإذا لحظه الجنّدي قال: إنّه القائد الفذّ، وإذا قصده السالك وجد غاية مرتجاه، فهو  رضي الله عنه عالمِ بالمراتب كلّها .

قال  رضي الله عنه : (لو أن كنّاساً كنّس ورشّ وأتقن يصل إلى الله تعالى، لأن الوصول إليه عزّ وجل لا بالصنعة ولا بالصفة بل بإتقان العمل إن الله يحب المتقن عمله  ) , فهكذا شأنه  رضي الله عنه مع كل صاحب صنعة أو مهنة أو وظيفة، يعلمّه فيها الصدق والإخلاص لله تعالى، فيدهش عقله ويأخذ بمجامع صدره حناناً إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم شأنه شأن الطبيب الحاذق، الذي يحقن الإبرة في العضلة ليصل بمفعولها إلى العضو العليل، وشتان بينه وبين مَن يُجابه بالنصح، فيغرز الإبرة في القلب ويقتل عليله، اللهمّ إلاّ إذا سئل على انفراد وظهر له صدق السائل أو كانت حالة المنصوح توجب المصارحة فيقول له: افعل أو لا تفعل، قال  رضي الله عنه : (أنا لا أمدح ولا أذمّ، أنا أبين، وهذه مرتبة القرآن والحديث، تبيان لا مدح ولا ذمّ).


حضر عنده مرة شخص يلبس خاتما من ذهب فقال واحد في المجلس: سيّدي، لو قلت له أن يخلعه، فأجابه  رضي الله عنه : (واحد مثلك يقول له! أما أنا فلن أقول له ) وإذا بصاحب الخاتم يرميه من يده ويقول: سيّدي والله إكراما لحضرتك لن ألبسه بعد.


وعنده  رضي الله عنه ميزان للنصح والتذكير، قال  رضي الله عنه :( جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلّموا الناس على قدر عقولهم، على قدر فهومهم، ونـزلوا الناس منازلهم أي في نفوسهم، فمن كان يحب التصدّر فأعطه الصدر بنية أخذه، فيعطيك قلبه فتأخذ بيده إلى الله وتعرّفه به , ولو كان أمير القرباط , وإيّاكم أن تنصحوا بالصراحة الواضحة لكل الناس، بل تنـزلوا لهم إلى مراتبهم، ليعطوكم قلوبهم، خشخشوا لهم بما يحبّون كالأطفال تُستجلَب قلوبهم بالألعاب، فإذا أعطوكم قلوبهم فذاك وقت النصيحة بلطف، وعلى قدر استعداد المنصوح وتسليمه لك، وإيّاك أن تخدع بالمتديّن وهو حبّاب الدنيا، فإنّ ديانته صورة، وحب الدنيا هو الذي استولى على قلبه، فهذا لا تأمن له وتنغش بديانته، بل أعطه حق محبته لدنياه، ثمّ ائته من طريقها إلى أن يعطيك شيئاً من قلبه، فتلوح له بالنصيحة تلويحاً لا تصريحاً).


وله ميزان آخر في كيفية الإجابة على أسئلة الناس يعتمد النسبة بين السؤال والسائل، قال  رضي الله عنه :( النسبة بين السؤال والسائل، هل هذا السؤال من السائل؟ أم من عند غيره؟ لابدّ أن تكون نسبة بين السائل والسؤال والداء والدواء، كثير يأتوننا بسؤال واحد، فنعطي جواباً لعمرو غير بكر ولبكر غير عمرو والسؤال واحد، السائل بدوي أو فلاّح قل له: كُل عيشاً، لأنّه معتاد عليه، لا تقل له كُل شوربة ).


كثير يسألون ولا نسبة بين السؤال والسائل كمن جاءنا يسأل عن اسم حصان جبريل عليه السلام فطالما هو غير هاضم للسؤال، فكيف يهضم الجواب؟. فالإجابة تقتضي أمرين، الأوّل: النسبة بين السائل والسؤال؟ الثاني: الإجابة على حسب السائل لا على حسب السؤال .

شرط أساسي أن تكون عند الطبيب فراسة، بمجرد ما يدخل المريض يشخّص له داءه، طبيب طلب الطب للطب، فجاءه المال تبعاً، وأخذ ما عدا المال عزّاً، هذا الّذي نبحث عنه أينما سكن، والّذي جذبنا إليه صدقُه في الطب، نريد علم أي شيء رأيت في المريض، لا الطبيب الذي لا يعرف إلاّ العلم الّذي تعلّمه، ليكتب (الوصفة) ويقبض المال .

علماؤنا في هذا الزمان مثل أطبائنا، أول ما يضع بين عينيه أجرة الفحص ، لا يبالي، شُفي المريض أو لم يُشفَ! وهنا غلطتان، الأولى: عند فحصه للمريض، الثانية: عندما يكتب الدواء .

فيا عجباً الدواء من لندن أو فرنسا أو أميركا ؟ هواؤنا غير هواء فرنسا، غير هواء أميركا، طبيعتهم غير طبيعتنا، أجواؤهم غير أجوائنا، عالمَهم غير عالمنا، شمسهم لا تطلع إلاّ قليلاً، لابدّ من عالم ماهر في الطب، يعرف كيف يعطي قياساً بين المريض والدواء، لابدّ أن تكون نسبة بين السائل والسؤال، وبين المريض والدواء. دواؤنا في حلب، ويأتوننا بدواء من فرنسا ومن لندن ومن أميركا، هذا هو الغلط. الطبائع تختلف، هذا طبيعته حارّة، وذاك طبيعته باردة، فالطبيب الّذي يأتيه خمسة أشخاص أو ستة بداء واحد إذا أعطاهم دواءً واحداً فهذا غلط! لاختلاف طبائعهم(ولذلك كان قدس الله سره يقول: هذه الأدوية فائدتها عشرة من مائة، والباقي من نتائجها بسبب الوهم عند المريض أنه أخذ دواءاً جيداً).

فلا يعطي  رضي الله عنه جواباً يغص به السائل أو جواباً متماثلاً لتماثل الأسئلة، وضرب على ذلك مثلاً: الخيّاط والزبائن، يأتيه واحد طويل سمين، وآخر قصير نحيف، وثالث لا هذا ولا ذاك، فكيف تكون ثيابهم واحدة؟ فلابدّ إذن من قياس دقيق.

ويظهر أثر الفراسة، التي هي بمثابة الأشعّة، إذ بدونها لا يتمكن المسؤول عالماً كان أو طبيباً من الإجابة بدقةٍ، فلا يجيب بحسب حال السائل فقط، وإنّما يفاتح جلاّسه بإشكالاتهم وخواطرهم دون مباشرة منهم بسؤال، قال  رضي الله عنه : (أنا أقرؤكم بدون تكلف) إلاّ أنّه لا يعامل أحداً إلاّ بظاهر الشرع، وربما يُسأل فلا يجيب! قال  رضي الله عنه : (لا أجيب السائل أحياناً )فيكون السكوت هو الجواب ومراعاةً لأحوال السائلين يجيب على أسئلتهم الفقهية من المذاهب الأربعة، فما من سؤال إلاّ ولديه جوابه بعد فحص سريع بنور الله تعالى ينتقي به العقار المناسب من صيدلية الكتاب والسنّة .

ومن طرقه  رضي الله عنه الإحسان إلى المسيء وقتل عداوة العدو وإزالتها بالإحسان إليه، قال  رضي الله عنه : (الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يحب قتل الكافر أي لذاته وإنما قتل كفر الكافر، ونحن سائرون على هذه القدم، لا نريد قتل الأعداء، بل نريد قتل عداوتهم، وكيف يكون ذلك؟ يسيء إلينا ونحسن إليه ).

 
إذ ذاك يقول: أنا كنت مخطئاً والحق مع الشيخ، هكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى يومي هذا ما لي عداوة مع أحد لذاته أبداً، حتى مع إبليس، ولولا أنّ الله تعالى قال: {إنَّ الشَّيْطَاْنَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاْتَّخِذُوْهُ عَدُوّاً } [فاطر6] لما اتخذته عدواً، لكنّي أعادي مبدأه، الذي يخالف القرآن الكريم، فالذي يخالف القرآن يخالف حقيقته، فإذا رجع إلى حقيقته صرت وإياه أخوين. أنا لا أريد أن أنتصر على أحد في العالمَ، وإنما أريد أن أردّه إلى الله، الّذي لا يصاحب أهل الله يرى نفسه: أنا وأنا.. أكبر فرعون!

والله ما لي غرض، ولا لي حاجة مع أحد في الوجود والحمد لله رب العالمين، ولكنّي بحاجة إلى خدمتكم سيّد القوم خادمهم الخدمة لا في الجسم فقط {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه } [الحديد7].

إذا خدمنا أهل النور يسري نورهم إلينا، لا أنبسط لكوني أعطيت أو أطعمت، بل أنبسط لأن الله جعلني خادماً لهذه القضية. فأنا خادم، وأعتز بكلمة خادم، إفهموني رجلاً خادماً، ظاهري وباطني كلّه واحد، أدلكم على حقيقتكم، ارجعوا إلى حقيقتكم، سيروا على الصراط المستقيم .

والله لا أبغض أحداً لا أوربيين ولا شيوعيين ولا بعثيين، ولا خبيثين ولا شريرين، ولا قطّاعي طريق، أنا أعدّ حالي كالطبيب، لا تفهموا النّبهاني عصبيّاً، لا أطيق العصبية، ولا أبغض أحداً، فمن الناس من يقول: أبغض جمال عبد الناصر ومنهم من يقول: أبغض الشيوعيين، ما أنا بذاك، أنا رجل خادم، أقامني الله تعالى لخدمة البشر سواءٌ كان يهودياً، أو نصرانياً، أو مجوسياً، أو كافراً، أو مشركاً، أو شرّابَ خمر، أو قطّاعَ طريق، أو مبغضاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم إيش بدّي منّه؟ (أي وماذا يهمني منه)، الواجب عليّ أن أخدمه حتى أردّه لحقيقته، فإذا رجع إلى حقيقته صار رفيقي وصاحبي ومن أحسن الناس لا لي بل لغيري، وأنا أعتقد أنّ (هيلاسي لاسي) (وهو رئيس الحبشة، معروف بحربه على المسلمين آنذاك )، إذا يقعد معي عشرة دقائق ينقلب فهو  رضي الله عنه لا يحقد ولا يتحامل، ويتعامل مع بني الإنسان حتى مع المحتالين والكذّابين على أنّهم خلق الله وعيال الله، وكثيراً ما يردد {هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الّذين من دونه } [لقمان 11] وإن شخصاً سأله قائلاً: سيّدي، أما تعرفني كذاباً فكيف تصدّقني؟ قال  رضي الله عنه : أعرفك ولكنني قلت: لعلّه صدق هذه المرة)!

ولا ييأس  رضي الله عنه من أحد ولا يحكم على فاسق أو فاجر أو مجرم بالشقاوة، فربما لاطفه فتاب وكان من الصالحين، قال  رضي الله عنه :( لكل إنسان في كل أربع وعشرين ساعة أربعة وعشرون ألف نَفَس، وكل نَفَس له برزخ خاص، وبين كل نَفَس ونَفَس حاجز لا يختلط بآخر، ولا يُحكَم على نَفَس بآخر، بل ربما كان نَفَسٌ إيماناً ونَفَسٌ كفراً، نَفَس ولاية ونَفَس معرفة، وهلمّ جرّا، فلا يُحكَم على نَفَس بالآخر ألبتّة، والله واسع عليم فالعارف حينما يعطيه الحق السعة، يسع عدوه وصديقه والكافر والمؤمن، فإذا رأيتَ أحداً أقبل على أهل الله فلا تحكم له بأنّه وصل، لأنّك لا تعلم النفَس الثاني، وإذا رأيتَ أحداً أعرض عن أهل الله فلا تحكم عليه بالقطيعة لأنّك لا تعلم النَفَس الثاني.. صاحب النور يرى الأشياء ويرى الناس بالله، ولكن الحق يعطيه الرحمة قبل ذلك، فينظر الناس بالرحمة ويؤوّل لهم ولأعمالهم، وأقل التأويل أن يرى قلوب الخلائق بين إصبعين من أصابع الرحمن، فلعل ذلك العاصي أو الفاسق بعد نفَس يكون ولياً، كذلك لا يجزم لصلاح صوري، فإن الخاتمة مجهولة، كان الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم يقول لا ومقلّب القلوب ).

وبهذا الخُلُق العظيم يدعو الناس و يذاكرهم، أمين على أسرار الناس، يستر ولا يفضح، يقول  رضي الله عنه : (كل من يرضى بالفضيحة لابدّ أن يفضحه الله تعالى ولو بعد حين ). فهو  رضي الله عنه لا يتعصب، ولا يحب الأشخاص ولا يبغضهم لذواتهم، قال  رضي الله عنه :( لا نحب ولا نبغض الأشخاص بل للحق والباطل، نحبهم للحق، ونبغضهم للباطل، وما جئنا إلا للسعادة).

ولا يحب أحداً أن يخبره عن نفسه أو غيره بسوء قال  رضي الله عنه : (لا يخبرْني أحدكم عن نفسه أو غيره بسوء أبداً) . معتمداً خلُقاً محمّدياً، لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئاً، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر , فيسع الجميع بالرحمة والشفقة، ويعاملهم بحسن الظن وسلامة القلب ويتجاوز أخطاءهم لكنه لا يهمل تأديبهم بالنصح والتذكير والإعراض أحياناً قال  رضي الله عنه : (الّذي يزيد المحب : الإعراض عنه، الإعراض من الكمالات)، وعليه فهو إعراض صوري وليس إعراضاً حقيقياً، الإعراض يسيـّره في قلبه، لأنّه عنده أهلية، وبالظاهر إعراض الشيخ عبارة عن وضع (بنـزين) للمريد ليسير لأن هناك عقبة حتى يقطعها والّذي يريد أن يترك فليترك! هذا يبقى يحاسب نفسه حتى يصير كلّه نوراً، الإعراض لا أحد يعرفه، أول ما عمله الله سبحانه وتعالى مع سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم قطع عنه الوحي قال : { وَالضُّحَى.وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى.مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى } [الضحى1-3] الله سبحانه وتعالى قطع الوحي عن سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم ليعلمنا كيف نسير ، كما سار سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم ، الإعراض رأيناه في السير، الحق له فيه حكمة بالغة يعرفها أهل الله، وغير أهل الله لا يعرفها أحد، حكمة بالغة..حتى بدأ الناس يتكلمون فتحوا ألسنتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: بغضه! قلاه! { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى }

سألني واحد: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كاد يرمي نفسه من أعلى شاهق: أيجوز هذا؟ قلت : هذا تحكيه الروح وليس الجسم، واحد من أهل الله يقول : رميت بنفسي مرةً من مكان عالٍ جداً، وما أصابه شيء أبداً! هذه بالروح، أما صاحب النفس فيتكسر تكسيراً تاماً، سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم عمل هذا من قبل أن يطّلع أن الحق قطع الوحي لحكمة بالغة، من أجل أن يقولوا عنه بغضه أو تركه..حتى قالوها، سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم لما نـزل الوحي بعد القطع قوي كامل وكان مستعداً الاستعداد التام، تلقى الوحي من الحضرة الإلهية تاماً كاملاً من كل الوجوه، كعطشان كثيراً في يوم صيف حار وجاءه ماء بارد : فكيف يشربه؟ تتنعم كل ذرّة من ذرّاته! {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } [الضحى 11] وهكذا : سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم كان يقولها من الروح، والّذي يقولها من النفس ويرمي حاله يتكسر تكسيراً تاماً، وهذه موجودة مع أهل الله، هذه القضية ذاقها أهل الله.

المحبّون يتكلمون بالإعراض، هذا ما وجد في الوجود، إلاّ إذا كان المحب كذاباً اللهمّ هذا صحيح؛ لأنّه هو أساساً ما أقبل على الشيخ حتى يعرض عنه، الشيخ إعراضه حتى يبين له أنّه معرض، الشيخ أحنُّ بل الشيخ وارث الرسول صلى الله عليه وسلم وكل وارث عنده خاتم على كتفه الأيسر والله قال عن سيّدنا محمّدصلى الله عليه وسلم { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [الأنبياء 107 ] وليس للمؤمنين فقط، والحق يقول {بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ } [الحديد 13] هذه لابدّ أن يذوقها الإنسان.

تلك بعض مزايا دعوته، وهو  رضي الله عنه يتأذى بأذية أصحابه ويفرح لفرحهم ويدعو الله سبحانه وتعالى لهم بالحفظ، ويقول  رضي الله عنه :( أنا طلبي من الله أن يحفظ إخواني ). يزرع في قلوبهم المحبة، ويغرس فيهم الإتباع مقروناً بحسن الظن بالله وآمال الخير والنجاح والتفاؤل وصدق التوكل على الله .وكان يكثر الدعاء لمن يسأله الدعاء بل لمن يسلم عليه بقوله: الله يفتح عليك فتوح العارفين.

يدعو إلى الله تعالى بالكمال الّذي كمّله الله تعالى به، وبالحال الّذي تخلّق به وبما ورثه عن حبيبه صلى الله عليه وسلم يأمر بالمعروف بالمعروف، وينهى عن المنكر بالمعروف، وهو عون المحتاجين، وكهف السالكين، والشيء الذي غرسه في قلوب أتباعه مظنّة كل واحد منهم أن الشيخ  رضي الله عنه يحبّه أكثر من جميع أتباعه .