موقف الشيخ النبهان من العمل:
العمل عبادة وهو أمر واجب، أمر الله به عباده، ولا مكان للكسل والتواكل والاعتماد على الغير في حياته، كان قمة في النشاط لا يفتر أبداً، ولا يتهيب من العمل أبداً، وكأنه رسالة، لم يكن يحسب الأمور بمعايير الربح والخسارة، وإنما يحسبها بمعايير العمل النافع والضار، فما ينفع الخلق فهو عمل مفيد ويجب عمله، وما يضرهم فيجب الابتعاد عنه.
كان قلبه قوياً في العمل يقتحم كل الصعاب بغير تردد، لا يفكر في حسابات الخسارة، فما يجب من الأعمال يقوم به من غير تردد، يدخل إلى الأرض المقفرة، أرض الموات، الأراضي الجافة التي لا ماء فيها ولا شجر، فيحيلها بعد فترة من الزمن إلى جنات تجري فيها المياه من أقصاها إلى أدناها، وكأنها أنهار، ويزرع الأرض بالأشجار فتصبح بعد فترة بساتين مخضرة مزروعة بأنواع الفواكه والخضار، ويحفر الآبار في أعماق الأرض فتخرج مياهها العذبة التي تجري في مزارعه، فتحيي أرض الموات وتعمرها ويفرح وهو يراها كذلك، ويمشي في حقولها سعيداً بما سعى إليه من عمران هذه الأراضي.
لست مبالغاً فيما أقول، وأعرف أن إخوانه وأصدقاءه سيقرؤون ما اكتب، ويعرفون جيداً أن ما أسجله هو القليل مما كان يفعل، كانت ورشات العمل التي يبنيها كلها بإرادته وتوجيهه تعمل ليل نهار ولا تتوقف، وعندما كانت كوارث الطبيعة كالفيضان تهدم ما بناه في الأرض من مظاهر العمارة، يعيد البناء، وكأنه لا شيء حصل، فالعمل عبادة دائمة ومستمرة.
لم أجده يوماً في حالة يأس وإحباط، وإنما كان في حالة ابتسامة دائمة وأمل بالله كبير، كان القوة التي يشعر الجميع بها، ويستمدون منه الشجاعة والثبات والمثابرة.
ونقطة القوة لديه هو الإيمان بالله والتوكل عليه والله هو الرازق، وأما العمل فهو عبادة دائمة، لا يرتبط بالربح والخسارة، وإنما هو مسيرة مستمرة لا تتوقف، لإحياء الأرض، ولعل هذا هو السبب أنه لم يكن يحب التجارة والصناعة وإنما كان يحب الزراعة لأجل الأرض كي تكون جميلة ومزهرة وخضراء.
في بداية أمره وقبل أن يشتغل بالزراعة، كانت باحة جامع الكلتاوية القديم حديقة رائعة تضم أجمل غرسات الورود والزهور ذات الأشكال والألوان المختلفة، وتتوسطها بركتان واسعتان تخرج الماء منهما في أشكال هندسية رائعة، ويشرف بنفسه على تقليم تلك الأغصان وتشذيبها، ويمسك بمقصه ليقطع اليابس منها ويعيد المتطاول منها إلى فضائه الخاص به، وتعقد جلساته الروحية وسط تلك الحدائق الغناء التي شهدها الجيل الأول من إخوانه، وكنت لم أتجاوز السابعة من عمري، كنت أرى وأشهد مجالسه الأولى بعد صلاة العصر يوم الجمعة حيث تفرش السجاجيد العجمية والفرش الأنيقة، وتدار كؤوس الشاي على الحاضرين الذي يتحلقون حوله في دائرة واسعة، يحضرها العشرات من إخوانه.