ذكرالله تعالى
قال رضي الله عنه : الذكر ركن قوي في طريق أهل الله، قال الله تعالى { فاذكروني أذكركم } [ البقرة 152] وقال تعالى : { يا أيها الّذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً } [ الأحزاب 41 ] وسأل أحد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً : يا رسول الله كثرت عليّ شرائع الإسلام فأوصني بأمر أدرك به ما فاتني وأوجز! فقال : لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله (1) .
وقال صلى الله عليه وسلم : لو أن رجلاً في حجره دراهم يقسمها، وآخر يذكر الله لكان الذاكر أفضل (2) .
وقال عليه الصلاة والسلام : ألاَ أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم؟ قالوا : بلى قال: ذكر الله (3)
فلا مدخل على الله إلاّ من باب الذكر، فالواجب على العبد أن يستغرق فيه أوقاته، لأن الذكر منشور الولاية ولابدّ منه في البداية والنهاية، ولكن الذاكرين يختلفون فمنهم من يذكر الله مع الغفلة، ومنهم من يذكر مع اليقظة، ومنهم من يذكر مع الحضور، ومنهم من أسكنه الحضور والشهود عن الذكر، وها هنا يسكت اللسان وينتقل الذكر إلى الجنان، فيصير ذكر اللسان غفلة في حق أهل هذا المقام، لأن حقيقة الذكر عند هؤلاء القوم هو الانقطاع إلى المذكور وعن كل شيء سواه لقوله تعالى { واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً} [المزمل 80 ] .
الذكر هو اندراج الذاكر في المذكور، واستظلام السرّ عند الظهور، يقول الحق في الحديث القدسي: أنا جليس من ذكرني (4) ونحن نسأل الجليس بأن يخبرنا عن جليسه، فإن أجاب فهو ذاكر، وإلاّ فهو صاحب عادة وهوى، مالت نفسه لحضور الذكر فتبعها، ونحن نرى حلقات الذكر في زماننا يهيم أهلها في الذكر كأنّهم سكارى في الحضور، فإذا بهم بعد انتهاء الذكر يمزحون ويضحكون! فلو كان هذا السكر والغرام صحيحاً لبقوا بعد الذكر ساعات بل أياماً في حلاوة الذكر والسكر غائبين صامتين .
من الناس من يذكر الله لأن الله ذكره، ومنهم من يذكر الله ليذكر، والثالث يذكره لا لهذا ولا لذاك بل لأنّه مستحق الذكر، ومصدر الذكر قوله تعالى : { فاذكروني أذكركم } [ البقرة 152 ] أي أدعوكم لذكري أذكركم لأنّكم من الذاكرين . الذكر يوصل إلى المذكور .
أوراده وأذكاره رضي الله عنه
(5) قال الله تعالى في كتابه العزيز : { يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا اذْكُروا اللَّهَ ذِكْراً كَثيراً وَسَبِّحوهُ بُكْرَةً وَأَصيلاً هُوَ الَّذي يُصَلّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلى النّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنينَ رَحيماً } [ الأحزاب 41 ـ 43]، وقال أيضاً : { فاذْكُروني أَذْكُرْكُمْ واشْكُروا لي وَلا تَكْفُرونِ } [ البقرة 152] ولما كان الذكر مفتاح خزائن قلوب الذاكرين، ومعراج أرواح السالكين، فقد كان له رضي الله عنه أذكار وأوراد أهمها:
الأول : قوله : الله شاهدي، الله ناظري، الله معي . إحدى عشرة مرة، مفرّقةً على اليوم والليلة (6) مع التدبّر والتفكّر في معانيها .
الثاني : التهجد : وأقله ركعتان قبل الفجر ولو بنصف ساعة، مع تضرع وبكاء. ومن المناجاة قوله (7) :
يا عزيز أنت العزيز وأنا الذليل فمن للذليل سواك؟
يا قادر أنت القادر وأنا العاجز فمن للعاجز سواك؟
يا قوي أنت القوي وأنا الضعيف فمن للضعيف سواك؟
يا غني أنت الغني وأنا الفقير فمن للفقير سواك؟
يا عالم أنت العالم وأنا الجاهل فمن للجاهل سواك؟
يا باقي أنت الباقي وأنا الفاني فمن للفاني سواك؟
يا حي أنت الحي وأنا الميّت فمن للميّت سواك؟
الثالث : قوله عند النوم واليقظة ثلاث مرات (8) :
بسم الله ما شاء الله، لا يسوق الخير إلا الله بسم الله ما شاء الله، لا يصرف السوء إلا الله بسم الله ما شاء الله، ما كان من نعمة فمن الله بسم الله ما شاء الله، لا حول ولا قوّة إلا بالله
الرابع : ذكر اسم الجلالة ( الله الله ) : من بعد صلاة الفجر حتى مطلع الشمس .
الخامس : الورد بعد الصلوات الخمس :
أ ـ أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيّوم وأتوب إليه ( ثلاثاً ).
ب ـ اللهمّ أنت السلام، ومنك السلام، وإليك يعود السلام، تباركت وتعاليت يا مالك الملك يا ذا الجلال والإكرام .
ج ـ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ( ثلاثاً ) .
د ـ جزى الله عنا سيّدنا ونبيّنا محمّدصلى الله عليه وسلم وشيخنا ومربينا ما هو أهله ( ثلاثاً ) .
هـ ـ اللهمّ صلّ على سيّدنا محمّد وعلى أله وصحبه وسلِّم .
و ـ اللهمّ أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ولا تجعلنا يا مولانا من الغافلين .
ز ـ آية الكرسي : {اللهُ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما في السَّماواتِ وَما في الأرْضِ مَنْ ذا الَّذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْديهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحيطونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسيُّهُ السَّماواتِ والأَرْضَ وَلا يَؤودُهُ حِفْظُهُما وَهوَ الْعَليُّ الْعَـظيمُ } [البقرة 255]
ح ـ { آمَنَ الرَّسولُ بِما أُنـزلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ والْمؤْمِنونَ، كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ . لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْســاً إِلا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها ما اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسينا أَوْ أَخْطأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلى الَّذينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ واعْفُ عَنّا واغْفِرْ لَنا وارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فانْصُرْنا عَلى الْقَوْمِ الْكافِرينَ } [البقرة 285 ـ 286] .
ط ـ { شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ والْمَلائِكَةُ وَأولوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ . إِنَّ الدّينَ عِنْدَ اللهِ الاسْلامُ} [آل عمران 18 ـ 19] .
ي ـ { قُلِ اللهمّ مالِكَ الْمُلْكِ تؤْتي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنـزعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ . تولِجُ الْلَيْلَ في النَّهارِ وَتولِجُ النَّهارَ في الْلَيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ } [آل عمران 26 ـ 27] .
ك ـ سورة الإخلاص ل ـ سورة الفلق م ـ سورة الناس ن ـ سورة الفاتحة س ـ سبحان الله (33 مرة ) ، الحمد لله (33 مرة ) ، الله أكبر , ( 34 مرة ) .
ع ـ الدعاء : وهو في الغالب من صيغ الدعاء المذكورة في نهاية حلقة ذكر الجمعة .
السادس : يقرأ بعد فرض الجمعة : سورة الفاتحة والإخلاص والمعوذتين ( سبعاً سبعاً )، يختمها بدعاء : اللهمّ يا غني ويا حميد، يا مبدئ ويا معيد، يا رحيم ويا ودود، أغننا بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمّن سواك، اللهمّ أغننا بالعلم، وزيّنا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى وجمّلنا بالعافية، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلِّم .
السابع : الصلاة العظيمية : بعد عشاء ليلة الجمعة : اللهمّ إني أسألك بنور وجه الله العظيم، الذي ملأ أركان عرش الله العظيم، وقامت به عوالم الله العظيم، أن تصلي على مولانا محمّد ذي القدر العظيم، وعلى آل نبي الله العظيم، بقدر عظمة ذات الله العظيم، في كل لمحة ونفَس عدد ما في علم الله العظيم، صلاة دائمة بدوام الله العظيم، تعظيماً لحقّك يا مولانا يا محمّد يا ذا الخلق العظيم، وسلِّم عليه وعلى آله مثل ذلك، واجمع بيني وبينه كما جمعت بين الروح والجسد، ظاهراً وباطناً، يقظةً ومناماً، واجعله يا ربِّ روحاً لذاتي من جميع الوجوه في الدنيا قبل الآخرة يا عظيم.(9)
-----------------
(1) : سنن الترمذي برقم (3375) 5/ 458. قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
(2) : المعجم الأوسط برقم (5969) 6/ 116. قال الهيثمي عن الحديث رجاله وثقوا.مجمع الزوائد 10/74.
(3) : المستدرك 1/673. قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(4) : شعب الإيمان للبيهقي برقم (680) 1/ 451.
(5) أجاز رضي الله عنه العمل بأوراده لطلبة العلوم الشرعية خاصة ولكل مسلم ومسلمة بشرط عدم حب الدنيا
(6) : من مأثورات سيّدنا أبي محمّد سهل بن عبد الله التستري رضي الله عنه، المولود بـ ( تستر ) أعظم مدن خوزستان سنة 200 هـ 815 م، والمتوفى في 283 هـ 896 م .
(7) : أطلق عليها رضي الله عنه : أركان المعرفة الإلهية . .
(8) : قال رضي الله عنه : من واظب عليها يصير من الأبدال !!! ، وأضاف : أن سيّدنا الخضر وسيّدنا إلياس عليهما السلام : يلتقيان في الحجاز في كل عام مرة، فيحلق أحدهما شعر الآخر، ويفترقان على أربع كلمات : بسم الله ما شاء الله ...إلى آخره