آخر المواضيع
اخترنا لكم




  الرئيسية    أسفاره ورحلاته وزياراته
رحلة العراق الأولى



مرات القراءة:9327    
أرسل إلى صديق
أبلغ عن مشكلة في هذه المادة

 

الرحلة إلى العراق :

 

 

 

 

أخذ الحاج محمود مهاوش يحدث إخوانه وأصدقاءه في العراق عن الشيخ ، وينقل لهم بعضاً من أقواله وأحواله وكيفية تربيته لإخوانه ويدعوهم لزيارة الشيخ في حلب ، بدأت الأفواج الأولى من الأخوة العراقيين تزور الشيخ وتسمع أحاديثه ، وتعود إلى العراق وتحدث بماسمعت ، وهكذا بدأت صلة الشيخ بالعراق ، وأصبح العشرات من علماء العراق يزورونه في كل عام ، من أبرزهم الشيخ قاسم القيسي مفتي العراق والشيخ أمجد الزهاوي علامة العراق والشيخ الداعية محمود الصواف والحاج محمد الفياض والعلامة الشيخ عبد العزيز السامرائي ( مدير المدرسة الآصفية بالفلوجة) والشيخ عبد العزيز البدري وعشرات غيرهم .

واشتهرت أسرة الفياض بحبها للشيخ ، ومن أبرز أفرادها الحاج محمد الفياض والحاج ابراهيم والشيخ خليل والحاج يحيى الفياض الذي كان في مقتبل العمر واشتهر بصدق إرادته والشيخ أيوب الذي استشهد في طريقه لبغداد بعد أن حضر انتقال الشيخ إلى الملإ الأعلى ، ثم توالت وفود العراق على حلب ، ومن أبرزهم الشيخ هشام عبد الكريم الألوسي الشاعر المحب الذي ألف كتاباً سجل فيه حياة الشيخ وأقواله والتقى بأهم إخوانه ونقل ماسمعه منهم ومارووه له من حياته وفكره .

وصف الشيخ هشام الألوسي في كتابه عن الشيخ نبذة مختصرة عن رحلتي الشيخ إلى العراق ، وكان حاضراً كل اللقاءات وشاهداً كل المجالس ، وأصبح إخوان الشيخ في العراق أكثر من إخوانه في حلب ، وأنشئت مدارس في العراق ، ونظمت مجالس ، واحتفظ إخوان الشيخ بأفضل أشرطة التسجيل لأحاديث الشيخ ومذاكراته .

بدأت دعوة الشيخ بالعراق بالحاج محمود مهاوش الكبيسي ثم تبعه الحاج جاسم الفياض ، ثم توسعت بعد ذلك وبخاصة في مدينة الفلوجة التي تضم معظم إخوان الشيخ ، واشتهر إخوان الشيخ بالعراق بالصدق والتزام آداب السلوك والمحبة والإخلاص .

الزيارة الأولى :

ورحب أهل العراق بقدوم الشيخ ، واحتفلوا بذلك وفرحوا ، واستقبله علماء العراق أجمل استقبال ، في كل مدينة ، وزار كلاً من بغداد والفلوجة والرمادي والموصل وسامراء والنجف وكربلاء وهيت وكركوك والكبيسة ، وما زالوا حتى اليوم يذكرون مجالسه وأحاديثه والأماكن التي زارها بكل اعتزاز، وتسابقت المدن العراقية للاحتفال به والتعبير عن فرحتها وبهجتها بقدومه .

أحب الشيخ العراق وأهل العراق ، وكان إخوان الشيخ يحيطون به بكل المحبة والرعاية ، أحبهم لما وجد فيهم من صدق وإخلاص وتعلق بآداب الشريعة ، وأقبلوا عليه وعلى مجالسه  بكليتهم.

 

 

لم يتحدث الشيخ في مجالسه العراقية عن شطحات الصوفية وانزلاقاتها في التجليات والأحوال التي تعتري القلوب ، والتي تؤدي في الغالب إلى انحرافات في الأقوال والسلوكيات وادعاءات ضارة تشوش القلوب وتبعدها عن المعرفة ، ولم يجدوا في أقواله سوى الدعوة إلى الالتزام بأحكام الشريعة وآدابها .

 

 

أدرك العراقيون أن صوفية الشيخ ليست صوفية الطقوس الطرقية والتقاليد الشكلية ، والمعتقدات الخفية التي تشوّه صفاء السلوك وتسيء للفكر الصوفي ، وتهبط بمستوى ترتيبته إلى درجة مراعاة الخلق والتملق إليهم ونسيان الخالق وما يجب له من حقرق الإخلاص له .

لم يكن لمنهجية الشيخ أوراد محفوظة تردد في أوقات معلومة ، ولم يطلب من إخوانه يومأ أن يقوموا بأي ورد خاص به ، فالورد الذي يأمر به هو ورد الاستغفار الذي يؤدّيه العبد عندما يريد أن يقاوم غفلته بذكر الله والتزام إتباع رسوله وحفظ سمعه وبصره مما يعكر صفاء النفس والقلب .

وليس في تربيته أسرار يدعيها أهل الأحوال في مواجيدهم ، فينطقون بما هو مستهجن من العبارات ، وبما هو منحرف من الأفكار ولا يلتزمون بحسن الأدب مع الله في عباداتهم ومعاملاتهم .

ولم يكن الزهد الذي يدعو إليه الشيخ هو زهد الظاهر بالتخلي عن الأموال والكسل عن العمل والاعتماد على الغير ، وإنما هو زهد القلب بعدم التعلق بالدنيا وإخراج حبها من القلب لكي يظل القلب صافياً لا تشغله دنيا ولا تدركه همومها ، ولا يعكر نقاءه ذلك الطمع المذل صاحبه .

وجد العراقيون شيخاً يعرف أمور الدنيا أكثر مما يعرفون ، يرفع هامته إلى السماء اعتزازاً بعلمه ويحني رأسه استشعاراً بعبديته لله تعالى وطاعة له وافتقاراً إليه ، يتكبر على المتكبرين من رموز القوة والطغيان والزعامة والسلطان ويترافع بعفوية ومن غير تكلف للمستضعفين في الأرض الذي خلقهم الله أعزة أحراراً .

ما أروع العلماء وهم يجسدون قيم السلوك الإنساني في حياتهم اليومية ، يقولون كلمة الحق في المجالس العامة ، ويزهدون فيما يطمع فيه الطامعون ، يتحالفون مع الضعفاء ضد الأقوياء ، ويناصرون الشعوب في دفاعها عن حقوقها الإنسانية ، ويمسحون الدموع عن وجوه البائسين .

هذا ما وجده أهل العراق في شيخهم القادم من حلب ، فازداد تعلقهم بشخصه وحبهم له ، والنفوس البشرية إذا عرفت أحبت ، واذا أحبت اشتاقت ، وإذا اشتاقت رحلت إلى حيث ما تحب . عاد الشيخ إلى حلب وابتدأت مواكب المحبين والمشتاقين ترحل إلى حلب إلى الكلتاوية حيث مقر الشيخ ، يمكثون أياماً ويعودون ، والشيخ فرح بهم . . إنهم أبناؤه من العراق . . أحبهم كما أحبوه .

(من كتاب الشيخ محمد النبهان د.محمد فاروق النبهان)

وهذه مقتطفات حول هذه الزيارة من كتاب السيد النبهان للشيخ هشام الألوسي :

زيارته الأولى السبت 11/ شوال /1381هـ الموافق 17/ آذار/1962م

قدم  رضي الله عنه إلى العراق برّا عن طريق : ( سوريا الأردن العراق ) واستقبلته وفود من بغداد والفلوجة والرمادي في مدينة الرطبة القريبة من حدود العراق مع المملكة الأردنية الهاشمية (وبين بغداد والرطبة: أربعمائة كيلومتر.) .

واحتفل به العراقيون في بغداد والموصل  وسامراء والرمادي والفلوجة والنجف وكربلاء وكركوك والحويجة وهيت وكبيسة.

 واحتضن مجالسه الناس من كل طبقاتهم خصوصاً العلماء والوجهاء وأمراء القبائل.. أمثال الشيخ أمجد الزهاوي، والشيخ عبد القادر الخطيب، والشيخ فؤاد الآلوسي، والشيخ حامد الملاّ حويش، والشيخ سليمان الضاري، والشيخ ناظم العاصي، والشيخ محمود مهاوش الكبيسي، والشيخ عبد العزيز السالم السامرائي، والشيخ محمّد الفياض، والشيخ نوري الملاّ حويش، والشيخ نجم الدين الواعظ وغيرهم كثير .

وابتدأ زياراته  رضي الله عنه بآل البيت الاطهار أعني بهم سيدنا الحسين والعباس عليهما السلام في كربلاء وسيدنا عليا في النجف الاشرف وسيدنا علي الهادي والحسن العسكري في سامراء وسيدنا موسى الكاظم في بغداد ثمّ تنقل من مكان لاخر لزيارة الاولياء المشهورين رضي الله عنهم اجمعين ,

حدثنا الحاج عبد العزيز عبد الرزاق الغرس الكبيسي رحمه الله قال: عندما وصل سيدنا  رضي الله عنه الفلوجة نـزل في دار المرحوم الحاج محمّد عبد الله الفياض، فرافقته إلى بغداد لدار المرحوم الشيخ محمود مهاوش الكبيسي، وفي تلك الليلة ذهبنا بمعيته  رضي الله عنه لزيارة الشيخ أمجد الزهاوي رحمه الله تعالى، ثمّ عدنا إلى دار الشيخ محمود مهاوش، صباحا

وقد دعوته  رضي الله عنه إلى بيتي، والحديث لا يزال للكبيسي عبد العزيز الغرس رحمه الله فسألت الشيخ محمود مهاوش: كم رجلاً سيأتي معه؟ فأجاب: بحدود الثلاثين، وكان  رضي الله عنه في زيارة إلى النجف الأشرف وكربلاء، فلما رجع حضر معه مائة وأربعون رجلاً من غير أقاربي ومعارفي! فساورني خوف لأنني ذبحت أربعة خرفان فقط، ولشدة ما حصل عندي من اضطراب خرجت إلى الشارع أندب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا سيدي يا رسول الله، هذا ضيفك فلا تخجلني معه!! فصدّقني يا أخي يا هشام إن أكثر من نصف الطعام بقي من بركته! ونقلته بسيارة لفقراء الحضرة القادرية، ونام تلك الليلة المباركة بفراشي، فقلت لجنابه: سيدي أن زوجتي بحاجة إلى عملية جراحية، فصلى ركعتين واستخار لها، وأعاد الاستخارة ثلاثاً وقال: العملية ناجحة إلاّ أن عدّة الطبيب غير نظيفة! فجئت الطبيب ورجوته أن يطهّر أدوات جراحته، فضحك! وكما قال سيدنا النّبهان  رضي الله عنه فقد تقيّح الجرح بعد أجراء العملية وحصلت لدينا مصاعب يطول شرحها!.

وحين ذهبنا بصحبة سيدنا  رضي الله عنه لزيارة سيدنا عبد القادر الجيلاني  رضي الله عنه احتشد حوله الناس وغص المسجد بهم و كنت وقتئذٍ شاباً فانطلقتُ مع خمسة من محبيه ندفع عنه زحمة الخلق! و ليتك رأيتَ مجلسه عند سيدنا عبد القادر الجيلاني  رضي الله عنه وحالة البكاء والمشهد الّذي كلّمه فيه، وكأنّها مكالمةٌ لحي، وأسأل الله تعالى أن ينوّر بصيرة من يشك في كون الأولياء أحياء في قبورهم!.

حدّثنا الشيخ خليل محمّد الفياض من الفلوجة بالعراق قال: زار سيدنا  رضي الله عنه في بغداد الشيخ فؤاد الآلوسي رحمه الله فرحّب به كثيراً وقال: أيّها الشيخ، مجيئك هذا إلى العراق سيسجّل في التأريخ.

وصدق والله، فقد حفظ التأريخ والقلوب والمساجد تلك الأيام التي لم تنقطع آثارها .

وقرأتُ في كرّاس للشيخ عبد العزيز السالم السامرائي رحمه الله تعالى بخط يده ما نصُّه:( اليوم جاء إلى الفلوجة الشيخ العارف بالله محمّد بن نبهان الحلبي، وذلك في يوم السبت الموافق 11 من شوال سنة 1381هـ و17 من آذار سنة 1962م وهو رجل عارف يتكلّم بالحقائق ويقول: أجتمع بالنبيّ صلى الله عليه وسلم يقظةً، وأكلمه كما يكلم الجليس جليسه، وأكلم سيدنا زكريا في حلب كما يكلم الجليس جليسه! .

وقد جذب قلوب الخلائق صالحهم وطالحهم نفع الله به العباد بجاه سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وقد سافر إلى الشام بّرا يوم الأحد: 5 من ذي القعدة سنة 1381، الموافق 9 من نيسان 1962، وكان بقاؤه في العراق خمسة وعشرين يوماً،

 واستمعت الى مذاكرة مسجلة له رضي الله عنه يتحدث فيها عن زيارته لسيدنا عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه فقال رضي الله عنه: ( لمّا زرنا سيدنا عبد القادر الجيلاني: كنت أتكلّم معه قاعداً، ولم يكن معي إلاّ خمسة أو ستة أشخاص، ما أحسست إلاّ والصّياح فوق رأسي، مئات الناس من أين جاؤا، ؟ وعمل الإخوان عليّ طوقاً حتى خلّصوني وأدخلوني الحرَم)!

قال الشيخ عبد العزيز: "حدثني احد مرافقيه الحاضرين، قال:سبحان الله كأن القيامة قامت! " فقال  رضي الله عنه: (صحيح! مع أنهم لم يكونوا ليعرفوني بعد، ولا أعرف أحداً، فالّذي لا يقدر أن يلمسني يعطيني اسمه فقط: أنا أفغاني..أنا هندي..أنا باكستاني..! من أين أتت هذه؟ هذه هي ضيافة سيدنا عبد القادر، ضيافة الأكابر الأجواد، هذه ضيافتهم)..

فاجاب الشيخ عبد العزيز السالم السامرائي: أليس هو سيدنا عبد القادر رضي الله عنه الّذي قال: أنتم في ضيافتنا؟ فأجاب رضي الله عنه : نعم اللهمّ صحيح، وقد ذقنا الضيافة..

 حدثنا الحاج حمود عباس الهيتي الكربولي من وجهاء مدينة هيت وأتقيائها قائلاً: استأذنت سيدنا  رضي الله عنه في زيارته الأولى للعراق بالسفر إلى هيت تهيؤاً لاستضافته  رضي الله عنه في بيتي هناك، فأذن لي قائلاً: اذهب أنت إلى هيت، وسنكون عندكم صباحاً، فجهّز لنا الفطور .

فودّعته رضي الله عنه وغادرت، وبعد وصولي إليها بحوالي الساعة إذا بالهاتف يرن وإذا بأحد أبناء الحاج جبير الفياض الكبيسي رحمه الله يخبرني أن سيدنا رضي الله عنه ومن معه قد توجّهوا إليكم قبل نصف ساعة! فتساءلنا عن سبب عدول سيدنا عن المبيت في مدينة الرمادي؟ فعلمنا أنه بسبب استعراض رياضيّ مختلط للبنين والبنات..

فخرجت مسرعاً لاستقبالهم وإذا بهم على أبواب مدينة هيت، ولما وصل رضي الله عنه دارنا طلب سجّادة فصلى ركعتين. ثمّ لبس العباءة وخرج  رضي الله عنه مسرعاً إلى شاطئ الفرات، فوقف  رضي الله عنه عنده وتكلّم بكلام لم نفهمه..! وكان في الضفة الثانية من النهر ضريح العارف بالله الشيخ علي الهيتي رضي الله عنه احد شيوخ سيدنا عبد القادر الجيلاني  رضي الله عنهم! ثمّ عاد إلى البيت، فحضر الكثير من أهالي المدينة للسلام عليه رضي الله عنه وذهب للنوم بعدها..

ولما أصبح الصباح دخلت عليه رضي الله عنه فقال: يا حاج حمود، مدينتكم هذه طيبة وجميلة، نمت فيها نومة هادئة.

وبعد الإفطار زاره خلق من أهالي هيت للسلام والتبرّك به، وفي مقدّمتهم الشيخ ضياء الدين الخطيب، والشيخ حسين عزّ الدين.. وغيرهما، فأعطاهم  رضي الله عنه وِرداً هو: الله شاهدي، الله ناظري، الله معي إحدى عشرة مرة في اليوم والليلة..

ثمّ ذهبنا لزيارة سيدنا عبد الله بن المبارك، ومن بعدها إلى جزيرة الخالدية، وكان لي هناك بستان فيه شجرة تين فارهة الظل على شاطئ الفرات نستخدمها وضيوفنا، فنحا عنها إلى مكان بعيدٍ! فاستفسرت من فلاّح الأرض.. فأخبرني: أن أحد المعلمين جاء بأصدقائه وشربوا خمراً تحتها.. فعرفت السبب..!

 حدثنا الحاج يونس بن إسماعيل بن علي من عشيرة الساده السرّاحنة الراويين المقيمين في بغداد قائلاً: لدى زيارة سيدنا النّبهان رضي الله عنه الأولى إلى العراق سنة 1962م طرق سمعي أن سيدنا مدعوّ في بيت الشيخ سليمان الضاري أمير قبائل زوبع، (4) رحمه الله تعالى في منطقة ( خان ضاري ) بين الفلوجة وبغداد، فتشرفت برؤيته هناك وضّم المجلس جمعا غفيراً من الناس من شتى المدن، وحين استقر بنا المقام نهض أحد أصحاب الشيخ  رضي الله عنه وقال: أيها الناس، من عنده سؤال فليتفضل..

فتقدم رجل طويل القامة يلبس البنطلون والجاكيت والتركية  وشقّ صفوف الحاضرين فدنا منه وسلّم وقال: يا أستاذ! أنا مرسل إليك من جماعة، لأسألك سؤالاً واحداً....

قال رضي الله عنه: ( تفضل) .قال: أيهما أفضل الحي أم الميّت !؟ قال  رضي الله عنه: ( عرفتك من أي جماعة أنت  ومن أرسلك!! وأنا أسألك سؤالاً واحداً ورفع  رضي الله عنه صوته ليُسمع الحاضرين هل تحفظ التحيات )؟ , قال: نعم ..قال  رضي الله عنه: ( اقرأ ) .

فقال: التحيات لله، والصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبيّ.. قال  رضي الله عنه:

( قف! أنا أسألك هل الكاف بقولك السلام عليك أيّها النبيّ للحاضر أم للغائب) ؟ . قال: للحاضر . قال  رضي الله عنه:

( ونحن مأمورون بقراءة التحيات كل صلاة، فإما أن ترفع كاف الخطاب وتكفر، وإما أن تبقيها إلى يوم القيامة! فأنت تخاطب نبيك في الصلاة: السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته، وهو يرد عليك السلام، رسول الله حاضر معنا، رسول الله رسول الله. جدد إسلامك وانطق بالشهادتين . قال: أستغفر الله، وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أن محمّداً رسول الله واجدد اسلامي على يديك يا سيدي).

قال رضي الله عنه: ( الحمد لله، وأنت احمد الله أن وفقك لهذا الشيء) .

ففرح رضي الله عنه وتهلل وجهه

وهذا هو منهج الشيخ وهذا هو تصوفه ، فهو تصوف يهدف إلى تزكية النفوس لا إلى سلوكيات الغرور ، ويدعو إلى تصحيح العقيدة بالتزام ضوابطها لا إلى تشويه العقيدة بادعاءات باطلة ومواجيد متكلفة .

استمرت زيارته الأولى مد ة خمسة وعشرين يوماً قضاها الشيخ بين إخوانه ، وجدوا فيه المرشد الصادق الذي يدعوهم إلى الله تعالى ويحضهم على تزكية نفوسهم من الآثام وطهارة قلوبهم من الخواطر المذمومة ، والإقبال على الله بصدق النية والمحبة الناتجة عن المعرفة بالله ، فمن شعر بالقرب من الله بفضل القيام بحقوق الله عليه تولد لديه محبة الله ، ومن أحب الله وصل إلى درجة الفناء فيه ، بحيث لا يشعر العبد بوجوده ، ويتجه بكليته إلى ربه ، ويلتزم بما أمره به ونهاه عنه .

بدأت علاقة الشيخ بالعراق منذ عام 950ا ، كان يحضر مجلسه أحد التجار العراقيين من الكبيسة ، وهو الحاج محمود مهاوش الكبيسي ، عرف الشيخ ولازم مجالسه ، ولم يفارقه لمدة تزيد عن عشر سنوات ، كان من إخوانه المحبين الصادقين ، كان له محل تجاري في خان النحاسين بحلب ، ويشتغل في تجارة الأقمشة بين سوريا والعراق ، وكان من طلاب العلم الذي أخذوا علمهم عن كبار علماء العراق ، ويرتدي ملابس العلماء ، وكان يرافق الشيخ في كل يوم بعد صلاة العصر إلى المزرعة أو يحضر مجالسه المسائية ، ويسكن في حي العقبة ثم انتقل إلى حي سيف الدولة ، وانفرد بأنه كان يسجل أحاديث الشيخ وأقواله في دفتر معه لم أطلع عليه ، كنت أراه يكتب في دفتره كل ما يسمعه من الشيخ وأحياناً يسأل والشيخ يجيب ، ثم انضم إلى مجلس الشيخ الحاج جاسم الفياض من الأسر العريقة بمدينة الفلوجة ، وكان تاجراً ، ولازم مجالس الشيخ ، ولم يغادر حلب إلا بعد وفاة الشيخ .

سافر الشيخ إلى العراق مرتين ، كانت الرحلة الأولى عام 1381 هجرية والثانية عام 1969 م ولم أرافقه في أي منهما ، سمعت وصف هاتين الرحلتين من الشيخ نفسه ومن بعض إخوانه من العراق .