آخر المواضيع
اخترنا لكم




  الرئيسية    الإنجازات والآثار
أهم آثاره تلامذته



مرات القراءة:8253    
أرسل إلى صديق
أبلغ عن مشكلة في هذه المادة

أهم آثار السيد النبهان :

 تلامذته

أهم أثر تركه الشيخ رحمه الله هم تلامذته واشتهروا باسم الإخوان ويقال إخوان الشيخ وأتباعه كما كانت تستعمل أحياناً لفظة المريدين ولفظ المريد أحد المصطلحات الصوفية ويقال أدب المريد مع الشيخ كما يقال أدب الصحبة .

لم يترك الشيخ كتباً مقروءة سواء كان مطبوعة أو مخطوطة كما أنه لم يترك أي وثائق أو رسائل ، لكن أفكاره وآراؤه محفوظة في صدور إخوانه يتناقلونها ويرددونها في مجالسهم وبعض دروسه العامة وبعض مذاكراته مسجلة في شرائط ويتم تدارسها بعناية وتنقل عنه كما تعقد مجالس لسماع هذه الدروس بوضوح عبر آلات النقل والتسجيل .

ولم تكن هذه الدروس والمذاكرات تسجل في البداية وكان بعض إخوانه يسجل بعض آرائه وأفكاره وأقواله أثناء مجالس الشيخ أو بعد ذلك . . .

وبدأت في الفترة الأخيرة محاولات لكتابة هذه الأقوال والأراء نقلاً عمن سمعها منه مباشرة ومن أبرز من عكف على كتابة هذه الآراء والأقوال الشيخ هشام عبد الكريم الألوسي أحد إخوان الشيخ في العراق وهو أحد علماء العراق إذ بذل جهداً طيباً ومشكوراً في كتابة ما سمعه من قدماء إخوان الشيخ بحلب ، وكان يكتب ما ثبت لديه من هذه الأقوال ويذكر اسم راوي الخبر ممن سمع من الشيخ مباشرة كما كان الشيخ محمود مهاوش الكبيسي من العراق يكتب في مجالس الشيخ ما كان يسمعه مباشرة وسماها فيوضات الشيخ النبهان وربما ما كتبه ما زال محفوظاً لدى أبنائه في بغداد . . .

والجزء الأكبر من أقوال الشيخ محفوظ في صدور علماء الكلتاوية ، وهم نخبة من علماء حلب تربوا في الكلتاوية وفي المدرسة التي أنشأها الشيخ ، والجيل الأول من علماء هذه المدرسة حضروا مجالس الشيخ وسمعوا منه مباشرة وتربوا على يده أما الأجيال اللاحقة من خريجي هذه المدرسة فلم يحضروا مجالس الشيخ وإنما سمعوا دروسه المسجلة ، كان الشيخ يريد أن يكون إخوانه وتلامذته هم كتابه المفتوح والمقروء ، وكان يشجعهم على أن يكونوا ناقلين لفكره بحالهم وبسلوكهم وبأخلاقهم ، وأن يجسدوا بأخلاقياتهم منهجه التربوي والروحي فكان كل واحد منهم يأخذ من الشيخ بمقدار استعداده وبحسب فهمه ، فتعددت الآراء إلا أنها ظلت مرتبطة بالنبع الأصيل لها ، وحافظت على تلك الرابطة التي تمثل مدرسة الشيخ التربوية والروحية ..

وأهم خصوصية لهذه المدرسة أنها تستوعب الواسع من الأفكار والضيق من الآراء والأفكار ، والفكر الرحب يجد فيها امتداده وسعته كما يجد فيها المرونة والفهم العميق والرؤية الإنسانية التي تستوعب طموح الإنسان إلى الأفضل ، والفكر الضيق يجد فيها نفسه وعزلته واهتماماته الجانبية ، والشيخ كان واسع الرؤية يخاطب الرجل المتعلم والرجل الأمي ، ويصل بخطابه إلى القلوب ، وكان يؤكد في مجالسه أن الكلام كالبذور يخرج من الفم ويلقى في الأرض فإذا كان هذا الكلام معبراً عن الأهواء تصادمت النفوس وفسد البذر، والبذر الفاسد الذي لاينبت إطلاقاً ولو كانت الأرض خصبة ولهذا لابد من الصدق في الأقوال لكي تنمو وتنفتح وتنبت بذورها في القلوب وتورق وتزهر وتثمر ، وأهم مايجب على الشيخ أن يلتزم به في أقواله أن يكون صادقاً وأميناً وأن ينطق بالحق بياناً للحق ، وهذا الكلام لابد إلا أن يجعله الله في موطن الحلاوة فيجد السامع لذته فيما يسمع ، ومن استلذ شيئاً أحبه وتعلق به وحرص على أن يسمع هذا الكلام ويردده لكي يشعر بلذته في قلبه .

أما الكلام الذي لايلتزم فيه صاحبه بالحق فسرعان ماتنقبض القلوب لسماعه وتضيق به ، ولا يحدث الأثر المطلوب في النفس ولوكان صاحبه من  أكثر الناس بلاغة وفصاحة ، فالحق هو الذي يعطي حلاوة للأقوال لكي يستلذها الطبع وتميل إليها النفس . . .

وأهم ما كان يحرص عليه الشيخ في مجالسه مع إخوانه التزام الآداب ، فما يحصل عليه المريد بفضل أدبه هو أكثر مما يستفيده من أنواع العلوم بالإلحاح في السؤال واستعجال الجواب فالأدب له بركة والفائدة في هذه البركة .

ولا تتحقق الصحبة بين الشيخ والمريد إلا بوجود التجانس بوجود ميل من المريد إلى الشيخ وهذا الميل لا يتحقق إلا بوجود نسبة من الانسجام والتوافق فإذا حدث التنافر انعدمت الصحبة فالميل هو الذي يقرب المريد من الشيخ ويجعله متعلقاً به محباً له مستأنساً بمجالسه ملتزماً الأدب معه والإنسان يميل لما يماثله في الطبائع والتكوين والاستعدادات ويضيق بمن يخالفه في ميوله ، فمن صحب أهل الاستقامة فهذا دليل على حبه للاستقامة ومن أحب أهل الكمال فهذا دليل على حبه للكمال ومن أحب الله أحب كل من يحب الله ، ومن أحب الله أحب كل ما يقربه من الله ومن صحب شيخه فهذا دليل على وجود نسبة بينه وبين الشيخ ، وهذا مما يسعد المريد فإذا تطلع المريد من خلف النوافذ إلى شيخ آخر فهذا التفات يحجبه عن الشيخ ويبعده عنه وتنقطع الصلة بين الشيخ والمريد ويتوقف التواصل بينهما لعدم وجود التجانس المعبر عن التوافق ولو وقع التوافق لما توقف التواصل . . .

ومن خصوصيات الشيخ رحمه الله أنه كان في قمة الأدب في علاقته بإخوانه ، يحبهم في الله ويأنس بمجالسهم ، ويخاطبهم بأحب الأسماء إليهم ، ويتلطف في معاملتهم ، ويشاركهم في همومهم ويكلمهم على قدر عقولهم ، ولا يكلفهم بما لا يطيقون ، ويصف لكل واحد منهم ما ينفعه وما يكون قادراً عليه ، ولم يحرج أحداً قط من إخوانه بما يكرهه ، ولا ينتقده ، ولم يقصر بحق أي من إخوانه في مرض أو في فرح ، كان يفرح لفرحهم ويشعرهم بمكانتهم في نفسه ويتألف قلوبهم ويعاملهم باللين والمودة . . .

ولم يترك الشيخ كتاباً لكي يكون أثراً من آثاره يعرف به وإنما ترك في نفس كل أخ من إخوانه كتاباً يحفظه في صدره ويقرأه على أبنائه وأحفاده فكان الأبناء هم حملة هذه الوديعة من الأقوال والأفعال ، وذهب الآباء وبقي الأبناء والأحفاد وهم جلساء الشيخ بعد رحيله في مجالسه التي لم تتوقف في الكلتاوية أو في المدارس التي أنشأها فكانت وفية لفكره وتراثه .

وآثار الشيخ الأكثر أهمية هي آراؤه وأفكاره التي حملها إخوانه وتتمثل في تلك السلوكية التي أخذ كل منهم بحظ منها سواء كان هذا الحظ وذلك النصيب قليلاً أو كثيراً وكل منهم أخذ ما يلائمه ، فليس هناك نموذج خاص يمكن أن ينسب إلى الشيخ فقد كانت تلك الآراء والأفكار كماء النهر الذي تسقى به الأرض فتخرج كل أرض ما سبق أن زرع فيها من أنواع النبات ، فمن انصرفت همته إلى العلم وجد في تلك الآراء سعة في الأفق ورحابة في التفكير ورعاية لقيم إنسانية سامية ، ومن انصرفت همته إلى العمل والكسب وجد فيها الدعوة إلى الترفع عن الدنيا والاستقامة والتحرر من قيود الدنيا والتوكل على الله في الرزق ، ومن اتجهت استعداداته للعبادة والطاعة لله تعالى وجهت اهتمامه إلى التزام الأدب مع الله في العبادات وتصحيح صورة الباطل بحيث يتجه القلب بكليته إلى ما اتجهت إليه الجوارح من أفعال الظاهر . . . .

لم يكن الشيخ يهدف لإلغاء الخصوصيات الذاتية التي تختص بها كل شخصية وإنما كان يهدف لتهذيب تلك الخصوصيات والارتقاء بمستوى

سلوكها واهتمامها وإيقاظ معاني الخير في القلب باليقظة الدائمة واستحضار الله تعالى في كل عمل من الأعمال والترفع عن الصغائر والزهد في القليل الزائل المرتبط بالدنيا والرغبة في الكثير الدائم المرتبط بالآخرة .

إنها دعوة للتصحيح لكي تكون علاقة العبد بربه قوية وراسخة ومتينة ودعوة لتجديد مفاهيم الدين ، لكي يكون الدين عقيدة صحيحة واستقامة وخلقاً ، فليس الدين مجرد انتماء ظاهري وإنما هو التزام بأن يكون العبد على مراد ربه يفعل ما أمره الله به من سلوكيات الكمال وطريق ذلك محبة الله . . .

ولا يمكن لأحد أن يقول هذا ما أراد الشيخ وأن يدعي بأنه يسير على طريق الشيخ وإنما يستطيع أن يقول هذا ما فهمه من الشيخ بحسب استعداداته فكل يأخذ حظه ونصيبه من ذلك الرصيد الروحي الذي يغذي النفوس بثمار الإيمان .