ماذا كان يريد السيد النبهان رضي الله عنه من مدرسة الكلتاوية ؟
كان رضي الله عنه يريدهم أن يتعلموا العلم حباً بالعلم لا لأجل البحث عن وسيلة مريحة للعيش، وكان إذا وجد شاباً يحني رأسه طلب منه أن يرفع رأسه اعتزازاً بالعلم، فالعالم لا يحني رأسه إلا لله، وإذا وجد شاباً ضعيف الهمة أبعده، فالعلم لا ينهض به إلا من كان صاحب همة وإرادة وعزم، كان يريد أن يختار الشخصية التي تحمل مسؤولية العلم، والشخصية التي تبحث عن الكمال، فالعلم سلاح قوي ولا يجوز أن يسلم إلا لمن كان يملك السواعد القوية التي تحمل مسؤوليته، فالعلم ينهض بالعلماء إذا اعتزوا به ورفعوا مكانته، ويذل بذل العلماء إذا ارتضوا لأنفسهم الخنوع والتبعية.
هكذا كان منهج الشيخ في الاختيار، الشخص أولاً، فصاحب الشخصية يحمل المسؤولية ويعز العلم، ومن هزلت شخصيته وضعفت همته فالعلم لا يرفع مكانة الخانعين الذين أذلهم الطمع، فجعلهم عبيداً لما تطمع فيه نفوسهم من مال وسلطة.
كان يريد للعالم أن يكون رافع الرأس بعلمه قوي الشخصية بالحق، يرفع شأن العلم في المجتمع وفي المجالس، لا يذل لقوي ولا يضعف أمام إغراءات المال والسلطة، يتحكم في ميوله واختياراته ولا تتحكم فيه الأهواء، إذ مواقفه تعرف به، يتميز عن غيره بخصال النزاهة والشجاعة والتواضع والسخاء، وفي كل مجالسه كان طيّب الله ثراه يتحدث عن أهمية تكوين الشخصية في التربية، والشخصية هي موهبة وتكوين واستعدادات فطرية للكمال، وإذا كانت الشخصية هي شرط في كل إنسان، سواء كان تاجراً أو عاملاً أو مزارعاً فهي في العالم أشد ضرورة لأن العالم قدوة لغيره، والناس تقتدي بما يصدر عنه، ويأتي العلم لكي يصقل الشخصية ويهذبها ويجملها بالفضائل لتستقيم طباعها، والعلم الذي لا يظهر أثره على سلوك حملة العلم لا خير فيه، فالعمل هو ثمرة العلم، والعلم الذي لا ثمرة له كالشجرة اليابسة.
وكان يشبه العلم بالوجبة الغذائية الدسمة التي تحتاج إلى معدة قوية تحتمل ذلك الغذاء الدسم، فإذا كانت المعدة مريضة، هزيلة، أو عليلة فسرعان ما تنهكها تلك الوجبة ويظهر الشحوب على ملامح أصحابها، فلا تقوى على هضم ما بداخلها من أنواع الأطعمة الثقيلة.
والعالم يحمل مسؤولية العلم ولابد له من شخصية قوية متوازنة قادرة على القيام بما يفرضه العلم على صاحبه من وجوب الالتزام بالحق والدفاع عنه، والتحلي بصفات الكمال والتخلق بالفضائل.
كان طلاب العلم هم الثمرة التي كان الشيخ ينتظرها من شجرة الكلتاوية، ومن المدرسة الملحقة بها، كان طلاب المدرسة صغاراً وأرادهم الشيخ أن يكونوا كباراً من أول يوم، كان ينظر إليهم ويرى فيهم جيل الأمل وجيل الغد،
أليسوا هم الذين كان يحلم بهم منذ زمن بعيد ؟
أليسوا هم الامتداد الطبيعي لتعاليم الشيخ ومنهجه ؟
كل جهد ينسى بعد حين، ما عدا الجهد الذي يبذل في الأرض الخصبة، فلابد أن يؤتي ثمره بعد حين... فالأشجار تنمو وتكبر ولابد من الانتظار لكي تعطي الثمرات المرجوة منها ولو بعد رحيل من غرسها وكأنه يقول: الكلتاوية بنيت، ورفعت أعمدتها، ولكنها لابد لها من شجرة مثمرة، تعطي بإذن ربها في كل عام عطاءها من العلماء. وانظر هنـــا لترى اهتمام السيد النبهان بطلاب العلم