علمتني الحياة
بقلم الدكتور محمد فاروق النبهان
أنّ استقرار المجتمعات ضروريٌ لنهضتها، وأمرٌ يجب الحرص عليه، ولا تُبنَى الأحلام الجميلةُ بالفوضى والفتنة، ولا يُقاوَم الفساد بفسادٍ أكبر, ولا يقاوم اغتصاب السلطة باغتصاب السلطة من جديد, وإنما يقاوم الظلم بالعدل، ويُقاوم الشر بالخير, وتقاوم اللاشرعية بالشرعية, ولا يستعان بمجرم على ظالم, فالظالم قد يستجيب للنصح ويخفف من ظلمه أما المجرم فلا يُوثَق به ولا يُستعَان به, ولا يُطمأن إلى أقواله وتعهداته, والمعارضةُ البناءة الصادقة المؤمنة بقيم العدالة والالتزام الوطني يجب أن تُحترَم حقوقها ويسمع صوتها ولا يُساءُ لها بسجن أفرادها وتكميم أفواهها فالمواطن في بلده سيد وحرّ وشريك في حمل الأمانة، وهو فردٌ في الأسرة الوطنيّة ويجب الثقة به وتمكينه من التعبير عن آرائه بحريّة تامّة، ومن حقّه أن ينتقد الفساد، وأن يطالب بالإصلاح بالكلمة والحوار والنصح، ولا يلجأ للعنف إلا في حالةِ الدفاع عن النّفس، ويجب أن يتجنب المصلح الفوضى، فلا إصلاح مع الفوضى، ولا تحالف مع العدو ضد الوطن والأهل والجيران، والصبر على الفساد المقبول والقليل أفضل من الفتنة والفوضى، ويُقبَل الخطأ في السياسة والمواقف والخيارات إذا كان ذلك الخطأ ناتجاً عن اجتهاد وبحث عن المصلحة الاجتماعية، فقد تكون هذه المواقف مصيبةً في نظر المؤمن بها، والاستبداد العادلُ والمنصف أفضل من الفتنة والفوضى والصراعات الداخلية ...
علمتني الحياة
أنّ السلام الاجتماعي لا يتحقق إلا في ظلّ العدل واحترام حقوقِ كلّ مواطنٍ في حياته وماله وثقافته وخصوصياته ولا يُفرّق بين مواطن وآخر في نظر القانون وتُصان حقوقُ الأقلية كما تصان حقوق الأكثرية وفق معايير عادلة، ولا تفاضل بين مواطنٍ وآخر بسبب انتمائه وإنّما يقع التفاضل وفق معايير الكفاءة والجدارة والمصلحة العامة، وأهمّ ما يجب الاهتمام به لتحقيق السلام الاجتماعي التوزيعُ العادلُ للثروات واحترامُ المعايير العادلة في الأجور والرواتب والأرباح والضرائب والسياسات الاقتصادية والاختيارات الاجتماعية ورعاية الصحة العامة والاهتمام بالتربية والتعليم والقضاء على الأميّة واحترام الحريّة الشخصية في الرأي والفكر والسلوك الاجتماعي، بشرط احترام المعايير التي تضبط هذه الحقوق.
والحريّةُ الدينيةُ يجب أن تُحترَم وتُصَان ولا حَجْرَ على الفكر البنَّاء في الكتابات الأدبية، والسلام الاجتماعي هدفٌ يجب أن تسعى المجتمعات لتحقيقه ولا تقيد حرية المفكّر لحماية واقع سيئ ولا يعتدي على حقّ ثابت مشروع لرفع الظلم عن آخر، فالظلم لا يُرفَع بالظلم والجريمة لا تُقاوَم بالجريمة ومراعاة الطبقة الفقيرة والمحرومة واجبٌ دينيٌ ووطنيٌ، ولا يتحققُ السلام الاجتماعي إلا بإنصاف هذه الطبقة والتخفيف من آلامها وتمكينها من الحياة الكريمة ومقاومة سلطة المال في احتكار المواد الغذائية وكلّ الموادّ الضروريّة التي تسئ للمواطن الضعيف وتستقلّ حاجته للعمل والغذاء .
علمتني الحياة
أنّ الاستقرار الاجتماعي في ظلّ المجتمع الواحد لا يمكن أن يتحقق إلا في ظلّ العدالة التي يقتنع الجميع بها، وتشعرهم بالأمن والرضى والطمأنينة، والنّفس لا تتحرَّك إلا عندما تغضب ولا تغضب إلا عندما تُظلَم ولا تُظلَم إلا عندما لا تكون هناك ضوابط لحماية الحقوق ومنع الإستطالات التي يقوم بها الأقوياء ضدّ الضعفاء، فهناك استطالات غير مشروعة يقوم بها الحاكم ضد المحكوم، والغنيّ ضدّ الفقير وصاحب النفوذ ضدّ من لا نفوذ له، وعندما تتحقّق العدالة تتوقَّف هذه التجاوزات أو تقلّ أو يخفّ أثرها السلبيّ، وثورة المظلومين حتميَّة ولو بعد حين، لأنّ الغضب المتولّد من الظلم يثير المشاعر أولاً ثم يحرّك الإرادات والعزائم نحو سلوكيّات الدّفاع عن النّفس عن طريق العنف .
والعدالة تريح النّفوس وتضعف مشاعر الغضب فيها، وتتحقّق العدالة بقوّة القانون وسلطة القضاء، ويجب أن يكون القانون عادلاً فيما يتعلَّق باحترام حقوق الإنسان أولاً وبالتوزيع العادل للثروات وعدالة الأجور ثانياً، واحترام المواطن في كلّ ما يعتبر ضرورياً له من حرّيات ومعتقدات وسلوكيَّات وخصوصيَّات، وهذه هي أهمّ عوامل الاستقرار الاجتماعي، والمواطن الذي يحميه القانون لا يجد حاجة للثورة على القانون، والمواطن الذي تحميه الدولة لا يجد المبرر الذي يدفعه للثورة على هذه الدولة، فالإنسان يثور ضدّ ظالمه، ولا يثور ضدّ من يحميه، وعلى الدولة أن تكون حليفةً المواطن تدافع عن حقوقه، وتوفّر له الحريَّة والكرامة .
علمتني الحياة
أنّ الحياة السياسيّة إذا استقرّت وكانت معاييرها عادلة قادت المجتمع إلى الاستقرار والسّلام الاجتماعي، وإذا فسدت وسارت في الدروب المظلمة والاختيارات الخاطئة وتنمية مشاعر التّفرقة وسياسة التمييز بسبب تعدّد القوميات والمذاهب وتجاهل دول الأقليّات في الحكم والحقوق فهذا مما يعمّق الخلاف ويدفع إلى سلوكيات التطرف والتمرّد والأعمال التخريبية، وفي ظلّ الدّولة الواجب يحظى أن ينصّ الدستور على حماية كلّ هذه الحقوق بطريقة عادلة، وأن تُحترَم كلّ هذه الحقوق ضمن ضوابط، وأُحذّر هذه الأقليات وأيّ معارضة من الاستقواء بالعدو الخارجيّ والتحالف معه، وتنفيذ مخططاته وإطلاعه على أسرار الدولة والمجتمع فهذه خيانة واضحةٌ ولا عذر لخائن، ولا تحالف مع عدوّ خارجيّ مهما كانت المفاسد مؤلمة، والمعارضة الوطنيّة مشروعةٌ ويجب أن تُحترَم لأنها جزء من مكونات الوطن وهي مؤتمنة على مقدسات الوطن، وهي شريك في التضحيات وأبناؤها جندٌ يدافع عن شرف بلده، وهم يؤدّون كلّ الواجبات الماليّة ولا يجوز تجاهلها وإسكات صوتها إلا إذا تجاوزت الحدود المشروعة في ممارسة حقّها السياسي، ولا يجوز أن تحرّض ضدّ بلدها ولا أن تعطي المبرّر للعدو للإساءة للبلد، ويجب أن تكون معارضةً وطنيةً نظيفةً ولا يستقرّ حكمٌ في أيّ بلد إلا بأحد طريقين إما بحكومة تمثل جميع أطياف المجتمع مع مراعاة تمثيل هذه القوى في الحكم بطريقة عادلة، أما الطريق الثاني فهو إقرار مبدأ التناوب والتداول في السّلطة لفترة زمنية محددة، فكلّ فريقٍ يشارك في الحكم ويحقّق مشروعه السياسي، فإن نجح في اختياراته ومواقفه قوي نفوذه وإن فشل فقدْ فَقَدَ قاعدته، ويكون التنافس شريفاً ونظيفاً، وتحترم ثوابت الأمة المنصوص عليها في الدستور ويكون الاختلاف في التدبير السياسيّ والتسيير وعدم إرهاق المجتمع بالأعباء والتضحيات والحروب والأزمات، وتداول السلطة سياسة حكمية وعاقلة، وهي تكفل حسن وسلامة التغيير في الحكومات، فلا يمكن لأيّ فريقٍ أن يتأثر بالسلطة لفترة طويلة، وتغيير المسؤولين في كلّ فترة يجدد الحياة السياسية والإدارة وكلّما طال المسؤول الإداريّ في إدراكه زادت معرفته وقلّ عطاءه وكثُر حوله المنافقون واتبع سياسة الاسترضاء لصانعي القرار، فمن اعتاد السّلطة أمسك بها ومن جلس على الكرسيّ المريح فإنه يصعب عليه أن يقوم به، ويعيش في حالة خوف، وصدور قرارٍ يمنع المسؤول من البقاء في منصبه لأكثر من خمس سنوات يخفف من الفساد أولاً ويقلّل من النفاق ثانياً، ويبعد المسؤول عن مواقف الاستقرار ثالثاً، ويجدد الإدارة بدمٍ جديدٍ قد يكون أفضل من الآخر، وهذه هي خطوات الإصلاح السياسي، وبفضل التغيير نحيي مشاعر الأمل في المجتمع، وكلّ جديد يبشر بالأمل ويفرّح الناس، ويجب إحياء مبدأ المساءلة والمراقبة وأن تكون الدول على علمٍ كاملٍ بكلّ ما يجري وأن تحاسب المخطئ وتكرم الرموز النّظيفة بمسؤوليّات أعلى وأسمى ...
علمتني الحياة
أنّ الثقة المتبادلة بين السلطة والمجتمع هي العامل الأهمّ في وحدة المجتمع وفي استقرار أوضاعه الاجتماعية وفي مواجهات تحدياته الاجتماعية، ولا شيءَ أقوى من مصداقية السلطة أولاً في اختيار دستورٍ عادلٍ يقتنع المجتمع بعدالته ويحميه ويحتكم إليه، وبخاصّة إذا كان الدستور من صنع الأمة وقد وافقت عليه باختيارها وإرادتها، وثانياً تتمثل مصداقية السلطة في احترام الدستور بطريقة تراعي روح الدستور ومقاصده ولا تتجاوزه في أمرٍ من أوامره فالحاكم الذي يلتزم بالدستور يعلّمُ شعبهَ احترام الدستور وثالثاً احترامُ المؤسسات الدستورية وأهمّها السلطة التنفيذيّة والسلطة التشريعيّة والسلطة القضائيّة والفصل بين السلطات فالسلطة التشريعيّة تمثّل إرادة الأمة في انتخابات نزيهة وهي تؤدي دورها في التّشريع والرقابة الجادّة على أعمال الحكومة وهناك السلطة القضائيّة، ويجب أن تكون مستقلّة ونظيفة ويثق المجتمع بها ثم هناك سياسات الحكومة ويجب أن تكون عادلة ومنصفة ونافعة وتحقق مصالح المجتمع ويقبل المجتمع كلّ سياسةٍ عادلةٍ كعدالة النظامِ الضريبي والالتزام بقواعده من غير محسوبية ومراعاة لأحد، وإقرار سياسة التقشف في الإنفاق الحكوميّ مع الاهتمام برفع مستوى الأجور والضمانات الصحيّة والاجتماعيّة وإقرارِ سياسةِ دعمِ المواد الضروريّة لأصحاب الدخل المحدود ومجانيّة التعليم الإلزاميّ والضروريّ والاهتمام بالمدارس والجامعات ومحاربة الفساد المالي بكلّ قسوة واسترداد كلّ الأموال التي جُمعَت عن طريق الفساد، ولا غطاء لفاسد ولو كان في مراكز سامية، فالدولة أقوى من الأفراد وليس هناك أحدٌ فوق القانون وأكبرُ من القانون، فالقانون هو البلد ولا أحدَ أكبر من بلده، وكلّ من أخطأ في حقّ بلده يجب أن يحاكم محاكمةً عادلةً، ولا يُمنَع من العودة إلى بلده، والعفو عن الجرائم العامة هو استعادة ذلك المواطن، والمساءلة حقّ للدولة وهو أمرٌ عادل.
ولا يجوز للدولة أن تحقد أو تنتقم، ولكن يحقّ لها أن تحاكم وتحاسب وتعاقب، ولا خلاف في أهميّة العدل، والدولة تحتاج إلى المواطن أكثر مما يحتاج المواطن إليها فهو ابن الوطن وهو ابن الأسرة الوطنية والدولة تزول والمواطن لا يزول، والبريء لا يخاف من الدّولة وهو سيدٌ في وطنه والمخطئ والخائن هو الذي يخاف من خطئه، والمواطن في الأحياء الشعبيّة هو الأكثرُ وطنيةً وتضحيةً وتجب الثّقة به، إلا أنّه يجب تكوينه وتعليمه لكي يحسن اختيار موافقة وهذا المواطن ولو كان فقيراً لا يمكن أن يكون خاطئاً، قد ينتقد سياسة حكومته وهذا حقٌّ من حقوقه إلا أنّه الوطنيّ الأصيل المحبّ لوطنه ..
والحكومة العاقلة تحسن التصرف وتتصالح مع المواطن وتخاطبه وتشرح له سياستها وتسمع منه ما يؤلمه، وهذا الحوار هو الذي يقضي على الاحتقان الداخليّ ويعمّق الصلة بين السلطة والمواطن ويجعل الجبهة الداخلية متماسكة، ودولة تواجه تحديا ًخارجياً ظالماً لابدّ إلا أن تحقّق التماسك الداخليّ، وهو السلاح الأمضى والأقوى الذي يضمن النّصر .
علمتني الحياة
أنّ الخطوة الأولى نحو الإصلاح هو مقاومة الفساد الماليّ والأخلاقيّ والإداريّ، وهناك مظاهر فساد أخرى كثيرة، والفساد ينمو بقوة ويترسخ ويصبح من العوائد السلوكيّة التي يتعايش معها المجتمع، وكلّ مقاومة تحتاج إلى إرادة وعزم، وتحتاج إلى تضحية، ورموز الفساد أكثرُ قوةً من دعاة الإصلاح لأنّهم يدافعون عن أنفسهم وامتيازاتهم وسلطتهم وينتشر الفساد بالسكوت عنه والتّعايش معه، وهو سلوك الأقوياء إذ لا يمكن أن يتجاهل القانون إلا من يملك القوّة التي تمكنه من الرقابة والمساءلة والخضوع للعدالة، وأخطر أنواع الفساد هو الفساد الماليّ لأنّه ينعكس أثره على المجتمع كلّه وأبرزه استغلال النفوذ للحصول على امتيازات لا يملكها الآخرون، في كلّ المجالات الاستثماريّة، وإنشاء مشاريع إنتاجية سواءٌ كانت تجاريةً أو صناعيةً أو زراعيةً أو سياحيةً، والحصولِ على أرباح طائلة لانعدام المنافسة العادلة، فصاحبُ السلطة يستخدم السّلطة لحماية مصالحه، وتنمو الثّروات بطرق غير قانونيّة، وتقوم احتكارات قوية لبعض القطاعات التي يحتاج إليها المجتمع، ولا بدّ من إقرار قانون المساءلة ومن أين لك هذا ؟ ولا أحد فوق القانون والعدالة، وهناك فسادٌ آخر يتمثّل في الرشوة والتهريب والتهرب من الضرائب والرسوم الجمركية، وهذه ظاهرة موجودةٌ في معظم المجتمعات وهي تسيء لسمعة الدولة لأنّ الموظّف الإداريّ يخون الأمانة، ويخالف القانون ويعطي الحقّ لمن لا يستحقه، ويطبق القانون على الضعفاء، ويغض الطّرف عن المنحرفين والفاسدين ويقبض ثمن ذلك، وهناك فساد يمكن أن تكتشفه وتعاقب عليه، ويمكن للقضاء النّظيف أن يقاومه، وهناك فسادٌ لا يمكن مقاومته لأنه يتمّ وفقاً للقانون ,كاستغلال النفوذ السياسيّ والمعنويّ للحصول على امتيازات قانونية، ولكن هذه الامتيازات لا تعطى لأي كان إلا إذا كان يملك النفوذ، والفساد مرضٌ خطيرٌ في المجتمع وتجب مقاومته بكلّ الوسائل الرادعة وعدم الاعتراف بأيّ ثروة نمت عن طريق الفساد، وإسقاط رموز الفساد وفضح ممارساتهم فالسلطة أداةٌ لخدمة المواطن والسهر على مصالحه وليست أداةً لاستغلال المواطن واستنزاف دمه .
علمتني الحياة
أنّ الإصلاح الاجتماعي لا يتحقق إلا بتعاون ثلاثة عوامل على تحقيق الإصلاح، الدين أولاً والمجتمع ثانياً والقانون ثالثاً، وكلّ عاملٍ يجب أن يؤدي دوره في الإصلاح وأن يؤمن بأهمية هذا الإصلاح، فالدين عامل هام في تكوين الشخصية السوية الملتزمة بالاستقامة المتطلبة لسلوكيات الكمال، وهذا عاملٌ تربويّ، وهو مؤثرٌ داخليّ، وكلما ارتقت مفاهيم الدين ارتقت منظومة القيم الاجتماعيّة السائدة، ويحتاج هذا العمل لتكوين وعي دينيٍّ بأهمية الإصلاح والنهوض والتغلب على قيم التخلف والفساد الاجتماعي .
أما المجتمع فله دورٌ كبير في تحقيق الإصلاح وذلك لأنه الساحة التي يجب أن يتم فيها التغير، وكلما ارتقت ثقافة المجتمع ارتقت رؤيته لقضاياه ولعوائده وأعرافه ومعاييره السلوكيّة، ولا يصلح أمر المجتمع إلا بإصلاح دعاته ورموزه الإصلاحية ومثقفيه فهؤلاء هم قادته وهم موطن القدوة، فإذا لم يؤمن هؤلاء بالإصلاح فلا أمل في الإصلاح، وإرادة الإصلاح هي الخطوة الأولى في مسيرة الإصلاح ....
وهناك المؤثّر الأكبر في الإصلاح هو القانون ومصداقيّة هذا القانون وثقة الناس به وبعدالته، والقانون الذي يستمدّ روحه من عقيدة الأمة وشريعة الإسلام يُقبل المجتمع عليه بحماس، ويحترمون أحكامه باختيارهم ولا يتحايلون عليه، ولا قداسة لأيّ قانونٍ إذا كان مخالف لعقيدة المجتمع أو لقيمه الأخلاقية، والإصلاح الاجتماعي ضرورة وهو أمر حتميٌّ، ولا ينهض المجتمع إلا بالتغلب على الجوانب السلبية في فكره واختياريه وسلوكه، والقانون وحده لا يكفي للإصلاح إلا بتعاون المجتمع وقناعته بأهميّة التغيير إلى الأفضل، وأحياناً يقتنع المجتمع بأهميّة التغير، ولكن يتمّ التغير نحو الأسوأ من السلوكيات، وهذا بسبب التخلف، والمجتمع الجاهل لا يدرك تخلفه، ويعتقد أنّه يفعل الأفضل، فمن يرفض تعليم المرأة يعتقد أنّه يدافع عن أخلاقها، والمرأة الجاهلة تعتقد أنّ الحضارة تتمثل في الانفلات والتحرر من القيود الأخلاقيّة، وتقليد الحياة الغربية، في سلوكيات التحرر والاستخفاف بكلّ الموروثات والتقاليد الأصيلة، وهذا يدلّ على اضطراب المعايير ولا إصلاح إلا بوضع إستراتجية واضحة ومدروسة بأهداف الإصلاح ومنطلاقاته وأن يتمتّع المجتمع بهذه الخطة الإصلاحية ويتعاون الكلّ على نجاح هذه الخطة .
علمتني الحياة
أنّ الإصلاح الاجتماعي لا يمكن أن يتحقق إلا بالتدريج، ويحتاج لزمنٍ كافٍ لكي يقتنع النّاس بأهمية الإصلاح فالعادات الراسخة لا يمكن التغلب عليها بسهولة، ويحتاج الإصلاح إلى حكمة وإقناع الناس بأهمية التخلي عن العادات الخاطئة، وأهمّ خطوة في الإصلاح أن يحظى دعاة الإصلاح ورموزه بثقة الناس ومحبتهم، ويعتبر الدين أهم عامل من عوامل الإصلاح، وهو يساعد على إصلاح العادات السيئة مما هو محرم في نظر الإسلام يمكن التغلب عليه باسم الدين، والمجتمعات الملتزمة بالدين تتقبل بسهولة كل إصلاح يأمر به الدين، والعامل الثاني في الإصلاح هو الثقافة والعلم، فالمجتمعات الجاهلة تقلع عن بعض عاداتها الخاطئة والمتخلفة بفضل أثر الثقافة في تكون الاختيارات الاجتماعية السليمة، ومثال ذلك تعليم المرأة، وكان الناس يكرهون إرسال بناتهم للمدارس، أو الجامعات، ويكتفون بالقليل من التعليم الضروري كالقراءة والكتابة، وكلما ارتقى المستوى الثقافي للشعوب كانت أكثر وعياً لإدراك أهمية الإصلاح، والإصلاح واجب و ضروري، لأنه يعني الانتقال من الأسوأ إلى الأصلح، ومن الضارّ إلى المفيد، والإنسان في إصلاح دائم لاختياره نحو الأفضل، وهذا شأن العقلاء، وكلما تطور وعي الإنسان تطورات أساليب حياته وأنماط عيشه، والثقافة من أهم وسائل الإصلاح لأنّ الثقافة تزيد وعي الإنسان وتعمق إدراكه للأمور..