فاستبقوا الخيرات
بقلم الدكتور: عبد الكريم عبد الله الحجو
وردت آيات كثيرة في القرآن تحض على المسابقة في الفضائل والمسارعة في الخيرات، منها: قوله تعالى: "فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ".
وقال تعالى: "وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ" (الواقعة:10- 12)، ووصف الله تعالى أنبياءه الكرام في سورة الأنبياء بقوله: "إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ" (الأنبياء: من الآية90).
وقال الله تعالى: "وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" (آل عمران:133)، وقال تعالى: "سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ" (الحديد: من الآية21)، وقال عز وجل: "أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ" (المؤمنون:61).
إنه سباق وأي سباق؟؟!! سباق نحو رضا الله تعالى لنيل جنته التي هي طلبة المتقين وهدفهم الأسمى... (أولئك المقربون في جنات النعيم).
وها نحن في العشر الأخير من رمضان.. والفرصة للسبق لا زالت متاحة وأبواب الخير في هذا الشهر الكريم لازالت مفتوحة وسانحة.
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر الأخير انقطع عن الناس معتكفا قائما الليل كله . ومع انه -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم الليل إلا قليلا، لكن في رمضان يفرغ نفسه في العشر الأخير للقيام والعبادة ومدارسة القرآن مع أمين الوحي جبريل عليه السلام... عن عائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان رمضان قام ونام، فإذا دخل العشر شد المئزر، واجتنب النساء، واغتسل بين الأذانين، وجعل العَشَاء سحوراً".
فحري بنا أن نقتدي بهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم - ونهتبل هذه الفرصة ونغتنم هذه النفحة الربانية في شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، حري بنا أن نسابق نحو الخير ونسارع في صيام خالص من الرفث والفسوق، ونجتهد في أمر بالمعروف ونهي عن المنكر وصلة الأرحام ومد يد عون للأرامل والمساكين ومساعدة المنكوبين.
ولنسارع إلى تحري ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، فيها الخير الكثير ، ومن حرمها حرم هذا الخير الوفير كما صح عن الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام .
وكم علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على التنافس نحو الخير والسباق نحو الفضيلة جلس النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم مع أصحابه فسألهم سؤالاً دون سابق إخبار فقال لهم: "من أصبحَ منكم اليوم صائمًا؟!"، قال أبو بكر الصِّدِّيقُ: أنا، قال: "فمن تَبِع منكم اليوم جنازة؟!"، قال أبو بكر: أنا، قال: "فَمَنْ أطعم منكم اليومَ مِسْكِينًا؟!"، قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟!"، قال أبو بكر: أنا، قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما اجْتَمَعْنَ في رجل إلا دخل الجنة". أخرجه مسلم.
وتعلم الصحابة رضي الله عنه من النبي هذه الروح السباقة نحو الخير والمعروف، ففي الأثر عن عمر -رضي الله عنه- قال : "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه و سلم- يوماً أن نتصدق، ووافق ذلك مالاً كان عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: أبقيت لهم. قال: ما أبقيت لهم؟ قلت: مثله. وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال: يا أبا بكر، ما أبقيت إلى أهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسبقه إلى شيء أبداً".
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ لأَصْحَابِهِ: "أَلا مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ لا خَطَرَ لَهَا، هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلأْلأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهَرٌ مُطَّرِدٌ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ، فِي مَقَامٍ أَبَدًا، فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ، فِي دُورٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ"، قَالُوا: نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ". رواه ابن ماجه.
بل إن ربنا سبحانه وتعالى اثنى على عباده المجتهدين السباقين رغم مسارعتهم في الخيرات- لكن قلوبهم وجلة وأفئدتهم خائفة من التقصير وفوات الأجر والثواب والتأخر عن الركب والأصحاب، فعَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: "وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ": قَالَتْ عَائِشَةُ: أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: "لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ". رواه الترمذي. اللهم اجعلنا منهم . آمين.