منهج تربوي متميز
بقلم الدكتور محمد فاروق النبهان
أهم صفة تعلمتها من السيد النبهان طيب الله ثراه أنه كان أبعد الناس عن التعصب الجاهل . كنت أرى كل الآخرين لديه سواء لا يتميز أحد عن أحد في مجلسه , ولم أسمعه يوماً يتحدث بمنطق التعصب . كان الإنسان في نظره هو الإنسان ، ويجب أن يعامل بصفته الانسانية . لم أره قط يشعر المذنب بذنبه ولا الجاهل بجهله ولا المنافق بنفاقه ولا المقصر بتقصيره . كنت أرى في مجلسه أصنافاً من الناس : بعضهم كنت أعرفه جيداً بانحرافه وضلاله , وبعضهم كنت أعرفه منافقاً وحاقداً وحاسداً ومبغضاً وناقداً , ولكنني لم أشعر قط أنه كان يشعر أي أحد بما هو فيه وكأنه لا يعلم عنه شيئاً , مع أنني كنت واثقاً أنه كان يعلم عنهم أكثر مما يعلمه الجميع , ولم يستفسر عن سلوك أحد ولم يتتبع أخبار أحد من الناس , لم أسمع منه كلمة سوء بحق أحد مهما كان سيئاً , لم تكن مهمته تتبع أخبار الآخرين من إخوانه أو من غيرهم . ما زلت أذكر شاباً مسيحياً جاءه من لبنان وقال له : إنني دخلت في الاسلام , وسماه محمد المهتدى واستمر هذا الشاب في خدمة السيد مدة سنتين , وكان يعد الشاي ويقدمه لضيوف الكلتاوية , ولم يسأله أحد في الكلتاوية عن إسلامه وحياته . لعل بعض إخوان الكلتاوية يذكرون هذ الشاب الذي استأذن بأدب من السيد أن يسافر وسافر وانقطعت أخباره . وما رأيته قط يغلق بابه أمام أحد من المذنبين والغافلين والمفرطين .
كنت أعرف رجالاً كانوا رموزاً سيئة في سمعتهم ولكن السيد لم يشعرهم بشيء وكأنه لا شيء . رأيت الكثير من المواقف التي ما زلت أذكرها عن احترام الإنسان مهما كان . لم أسمعه يوماً يتكلم بلغة التعصب الديني أو القومي أو الطائفي أو المذهبي , ولا بلغة الصوفي في مقاومة السلفية . كان لا يحب مناقشة القضايا الخلافية ولا الجدل ولا يحب الخوض في اتهام الآخرين . كنت أرى في مجلسه كل أصناف الرجال . لا أحد كان أقرب اليه من الآخر. كان جامعاً للقلوب وليس مفرقاً ، ومحبباً الناس بالدين وليس منفراً , ولم أكن أجد المبالغات ولا الشطحات ولا الانزلاقات ولا مجالس الغفلة و المواجيد المفتعلة والأحوال المتكلفة في اهتماماته .
كان منهجه مستمداً من الطاعة لله والاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يحب أن ينسب إلى طريقة صوفية أو يقلد أحداً في أذكاره , ما قام الدليل عليه أخذ به وما لا دليل عليه تركه من غير انكار على من أخذ به إلا أن يكون مما وقع النهي عنه .
ولما سئل عن طريقته قال : طريقتي محمدية ولا أقلد أحداً غيره , وما دام النبع الاصيل يتجدد ماؤه ويستمر عطاؤه فلا مبرر لاتباع منهج آخر , النبع الاصيل هو أولى وأصفى وأنقى , فلا يعدل عنه إلى غيره .
ما زلت أذكر هذ المنهج التربوي الاصيل الذى كنت أرقبه باهتمام , واليوم أتامل فيه وأستعيد أحداثه وذكرياته..