قضية المرأة.. أساساتها الواقعية
الدكتور: محمود أحمد الزين

من أهم الانتقادات التي وجهها خصوم الإسلام المعاصرون: قضية المرأة
وهي القضية الأشهر، وهي الأظهر، وهي الأكثر ترديداً على ألسنة الخصوم، وعلى ألسنة أتباعهم في قلب بلادنا وقلب مجتمعاتنا، وقلب مؤسساتنا الثقافية؛ إذ يرى هؤلاء أن المساواة بين الرجل والمرأة من أهم منجزات الحضارة الحديثة، ويزعمون أن الإسلام حرم المرأة هذه المساواة في جوانب كثيرة داخل الحياة الأسرية وخارجها، فما هو موقف المسلم من هذا كله ؟!
قبل مناقشة أي مسألة من قضايا المرأة لا بد من النظر في الأساس الذي تقوم عليه هذه المساواة، ما هو ؟
إن أول ما يتبادر إلى ذهن الإنسان حين تطرح عليه هذه القضية: هو أن المساواة تعني المساواة في الحقوق والواجبات، فهل يسوي أهل الحضارة الحديثة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات ؟ الواقع يصرخ بأعلى صوته: لا.
ولنبدأ بأظهر الأمور اختلافاً في الواجبات: وهي واجب حماية الأوطان ـ أعني الخدمة العسكرية ـ فمن حق المرأة في الدول الغربية أن تتقدم إلى دخول الجيش، هذا صحيح، ولكن هل واجب عليها كوجوبه على الرجال حين تكون الخدمة إلزامية ؟ وهل نسبة النساء في الجيش كنسبة الرجال ؟ وهل هما سواء في المهمات التي تسند إليهما ؟
إن كل مطلع على هذا الأمر يقول: لا في الإجابة على الأسئلة الثلاثة. فالخدمة العسكرية ليست إلزامية للمرأة حين يكون هناك إلزام، ونسبة النساء أقل بكثير من نسبة الرجال، والمهمات التي تسند إلى النساء مهمات غير قتالية في الأكثرية الساحقة، أي ليس هناك مساواة في هذه الأمور الثلاثة فلماذا ؟! هل هي الصدفة، أو الفارق الطبيعي بين النساء والرجال هو الذي يفرض التفريق بينهما في هذا الواجب ؟
إن كانت الصدفة ـ ولا نظن ذلك ـ فما هي قيمة نظام يقوم على الصدفة في الحقوق والواجبات؟! وإن كان الفارق الطبيعي ـ ونظن أنهم يقولون ذلك ـ فقد وجب عليهم أن ينظروا إلى هذا الفارق الطبيعي في التشريع كله، وليس في مسألة الخدمة العسكرية التي تفرض نفسها واقعاً ملموساً، فالاستعداد الجسمي للمرأة أقل تناسباً مع القتال ـ ومع كل عمل يحتاج إلى القوة ـ والفارق كبير لا يمكن جحوده، هذا إذا لم نلاحظ الفوارق الطارئة، كالذي يطرأ عليها من الضعف عند الحيض والنفاس والحمل والرضاع، والفارق لا يكمن في الجسم وحده، فالقوة النفسية وجرأة القلب ذات أهمية كبرى في القتال وفي مجالات أخرى مهمة كثيرة في الحياة.
وإذا كان أمر القتال واضحاً، فلنأخذ النظرة الحقيقية إلى القوة النفسية عند المرأة من مجال آخر: هو مجال الطب، وهو المجال الذي تقدمت فيه الحضارة الحديثة تقدماً كبيراً، وفتحت المجال فيه للمرأة دون قيود، ولنسأل: كم هي نسبة النساء في اختصاص الجراحة ؟ مهما اختلف القول في النسبة، ومهما اختلفت النسبة بين البلدان والدول، فهناك ظاهرة لا خلاف عليها: هي أن الرجال أكثر كثيراً، فلنسأل ثانية: لم كان هذا ؟ هل الصدفة هي التي تحكمت في هذه النسبة ؟ أو هو اختلاف الطبيعة بين الرجال والنساء ؟.
إن كانت الصدفة ـ ولا نظن عاقلاً يزعم ذلك ـ فالواقع لا يقوم على الصدفة، وإن كان التشريع غير العلمي قد يقوم عليها. وإن كانت الطبيعة ـ طبيعة الجرأة القلبية عند الرجل وضعف الجرأة القلبية عند المرأة ـ هي التي أدت إلى هذا الاختلاف الواقعي فلا بد أيضاً من مراعاة أهمية هذه الفوارق عند وضع القوانين والتشريعات في كل مجال تكون له علاقة بهذا الجانب من طبيعة المرأة وطبيعة الرجل.
وثمة فارق لا يقل أهمية عن الفارق الجسمي والفارق النفسي، يلاحظه المتأمل لشأن المرأة في واقع حياتها عند شعوب الحضارة الحديثة، عند ملاحظة المهمات التي يفضلون إسنادها إلى المرأة، وعند ملاحظة الأسباب التي تدعوهم إلى هذا التفضيل ـ حسب أقوالهم هم ـ وأظهر ما يكون ذلك عند اختيار معلمات الروضات المدرسية ودور حضانة الأطفال، فهذه مجالات لا يختار لها الرجال إلا في حالات نادرة، ترى ما هو السبب الذي يحمل أولئك المسؤولين على اختيار النساء لمثل هذه الأعمال، وترك الرجال، مع إقرار الجميع بقضية المساواة بين الرجل والمرأة ـ الذي يُسمع منهم ويتكرر على ألسنتهم هو أن هذه الأعمال تحتاج إلى رقة وعطف وصبر لا يتمتع بها الرجل كما تتمتع المرأة، أي أن عند المرأة من العطف والحنان ورقة الشعور ما ليس عند الرجل، فهي تتفوق عليه في ذلك تفوقاً واضحاً، لكن هذا التفوق العاطفي له جانب من التأثير يختلف في المجالات الأخرى، حيث يؤثر على أحكامها ومواقفها تأثيراً كبيراً أكثر مما يكون من ذلك عند الرجل، وهذا أمر لا يجحده علماء النفس الغربيون والقائمون على الوظائف التي تحتاج إلى قرارات مهمة، إنما يجحده الذين يتنكرون للواقع العلمي والواقع الحياتي الذي يشهده الناس، فيستدلون بحالات نادرة من تفوق المرأة في بعض الأحوال على رجال مجتمعها، فتكون في قيادة جيش، أو تكون ملكة أو رئيسة وزراء أو رئيسة للجمهورية، والحالات النادرة ليست مقياساً يحكم به على المرأة في المجتمع الإنساني كله، فهؤلاء وجودهن نادر، سواء لاحظنا تاريخ الدول التي حكمن فيها، أو لاحظنا نسبة الدول التي وجدن فيها إلى الدول الأخرى، أو لاحظنا الفرق بينهن وبين نوادر الرجال، مع أن بلادهن لا تمنع وصول المرأة إلى هذه المناصب.
فما الذي جعل ذلك نادراً أهي الصدفة ؟ أم هو الفارق الحقيقي الطبيعي بين الرجل والمرأة ؟ أما الصدفة فلا مكان لها في الواقع، وأما الفارق الطبيعي الذي يجعل غلبة العاطفة على العقل عند المرأة في الأحكام والمواقف أكثر مما عند الرجل، فهو الذي يفرض هذه النتائج الواقعية، والعقل هو الحكم الدقيق الذي تدعمه الحقائق لا العواطف، ولا نعني بالعقل الذكاء، فهو على أهميته لا يغني عند الترجيح بين العقل والعاطفة، كما أن سعة العلم لم تغن المرأة عن جرأة القلب في الاختصاص بالجراحة. هذه الطريقة في تفكير المرأة مع ما لها من أثر على المواقف، أليس من حقها أن تراعى عند التشريع في حقوق المرأة وواجباتها وحقوق الرجل وواجباته؟؟
ثم أليس الأمر جديراً بالاهتمام أكثر إذا لاحظنا الفوارق الثلاثة مجتمعة؟.. فارق القوة البدنية، وفارق القوة النفسية، وفارق القوة في الأحكام والمواقف حين يختلف العقل والعاطفة؟
وحتى لا يتوهم دعاة المساواة الغربية أن التشريع القرآني ينظر إلى المرأة نظرة انتقاص من خلال جوانب الضعف الثلاثة. ينبغي أن نبين أنها جوانب ضعف بالنظر إلى المسؤوليات والعمل الشاق والتعامل مع الرجال، ولكنها بالنسبة إلى مهماتها الحياتية التي طبعت عليها ورشحها لها هذا الطبع وهي: الحمل، والرضاع، ورعاية الأطفال، ورعاية الأسرة داخلياً، جوانب قوة لما فيها من التناسب مع تلك المهمة، وهو أمر مشاهد واقعاً معترف به علماً.
فإذا قال لنا دعاة المساواة: إننا لا نعني بالمساواة إنكار كل فارق طبيعي في الجسم والنفس وأحكام العقل بين الرجل والمرأة، وإنما نعني المساواة بينهما في الإنسانية، فالجواب هنا سهل..
وهو أن الإسلام لا يفرق بين الرجل والمرأة في الإنسانية إطلاقاً ، فالرجل والمرأة كل منهما إنسان، وهما في الحقوق والواجبات الإنسانية سواء.
ويفترقان في الذكورة والأنوثة في الجوانب الثلاثة التي سبقت، وهذه الفوارق لا بد من رعايتها عند تشريع الحقوق والواجبات. فكل حق أو واجب يعتمد على الأنوثة لا نصيب للرجل فيه، وكل حق أو واجب يعتمد على الذكورة لا نصيب للمرأة فيه، لا يصح أن يتساويا في هذا ولا ذاك، والمساواة بينهما في أحدهما باسم الإنسانية ظلم فادح لكل منهما، لا يقل ظلماً عن التسوية في الحقوق والواجبات بين الطفلة الصغيرة والمرأة الكبيرة بدعوى تساويهما في الإنسانية أو الأنوثة؛ لأنها إن كانت الحقوق والواجبات حسب طاقة الكبرى ظلمت الصغرى، وإن كانت حسب طاقة الصغرى أهدرت طاقة الكبرى الزائدة، ولا يقل ظلماً عن المساواة في المستشفى بين الطبيب المختص وبين الممرض في الحقوق والواجبات بدعوى تساويهما في الإنسانية أو الرجولة؛ لأنها إن كانت الحقوق والواجبات حسب طاقة الطبيب كان تكليف الممرض بها تكليفاً فوق طاقته، يضر به وبالمريض، وإن كانت حسب طاقة الممرض كان ذلك إهداراً لعلم الطبيب وطاقته.
ولعل الله تعالى ييسر بيان ذلك في قضايا المرأة تفصيلياً في المقالات القادمة إن شاء الله تعالى، فيظهر لكل منصف ـ ولاسيما أهل الاختصاص ـ أن المرأة المسلمة أكثر من الرجال حقوقاً وأقل واجبات، وذلك مظهر من مظاهر الرحمة الإلهية في هذا التشريع ، ومظهر من مظاهر التفوق فيه يستحق الإكبار لا الانتقاد، ويظهر به الإعجاز الباهر. والله تعالى هو المسؤول أن يوفق إلى ذلك بفضله..
والحمد لله ….