مفهوم الثقافة
الدكتور محمود أحمد الزين

الثقافة في مفهوم كثير من الناس اطلاع على مجموع كبير من المعلومات المتنوعة بينما أهل الفكر لايعتبرون ذلك ثقافة حتى يؤثر في فكر صاحبه ويصقله فيكون منه عقلاً داعياً فيما يأخذ ويدع من المبادئ والأفكار بل من شؤون الحياة كافة والفكر الإنساني هو البوتقة التي تذوب فيها لتخرج منها سبيكة مناسبة وبهذا يتحقق المعنى اللغوي لكلمة الثقافة أيضاً لإنها في اللغة تعني التقويم والتسوية وإزالة العوج ولايصل المثقف إلى ذلك إلا بتنقيح معلوماته بعضها لبعض لينفي عن نفسه تناقض الأفكار والمعلومات وطرائق التفكير ، والثقافة بهذا المعنى قليلة وتتفاوت درجاتها في محصلها بهذا الإعتبار كثيراً حتى إنك تجد إنساناً يتخذ مبدأ عن قناعة يتحدث فيه ويكتب ويدعو الناس إليه بينما يحمل نفسه أشياء كثيرة يتنافى مع ذلك المبدأ وتلك القناعة فمن ذلك شيئآن رأيتهما لبعض الكتاب ولاداعي لتعيينهم لإن المقصود الفكرة لاصاحبها .
أول هذين الشيئين : أن كاتباً واسع العلم والثقافة كتب في نشأة الدين عند الإنسان وتحدث عن الإسلام مبيناً عقائده ومبادئه وكان حديثه عن نشأة الدين عند الإنسان قائماً على أساس أن الإنسان وجد نفسه في كون فسيحٍ من حوله تختلف مظاهره فأراد أن يكوّن لنفسه فكرة ثابتة عن هذا الكون فبحث وفكّر وقلّب وجوه الرأي وخاض بتلك الآراء معارك الحياة فزاد ونقص وعدّل حتى وصل إلى فكرة أن الكون له آلهة ولكل شيء منه إله فواحد للشمس وآخر للبحار وهكذا وظل ينقّح الفكرة حتى وصل إلى توحيد الإله ، وهذه وجهة لاتتحقق مع الإسلام لاجملة ولاتفصيلاً
وأنا أنتقد هذه الفكرة باعتبار أن الكاتب يعتقد الإسلام عقيدة ومبدأً فكرياً فالإنسان حسب ماأوضح القرآن خلق لعبادة الله وحده في الجنة وحذّره مكر الشيطان وأنه إن أطاعه أخرج منها ثم حين نزل إلى الأرض ومعه حقائق القضية التي عاشها في طاعة الله والإبتعاد عن غواية الشيطان فهو يعرف الله معرفة صحيحة ويعرف مايريد الله منه ومالايريد فهو يتوب إليه ممامضى ويعاود الطاعة فيمايأتي ، ومن نافلة القول أن نبين أنه علم أولاده ذلك لإن أهم شيء عند الوالد ألايقع بنوه فيماوقع فيه فكيف إذا كان نبياً بل كيف إذا كان رسولاً مأموراً بتبليغ ذلك إلى ذريته .
وإنْ من أمة إلا خلا فيها نذير واستمر الأمر على ذلك حتى تطاول العهد بذريته فتركوا التوحيد فأرسل الله تعالى إليهم نوحاً عليه السلام يردهم إليه واستمر الأمر على ذلك كلما طال العهد على أمة تركت التوحيد فجاءها رسل الله يردها إليه حتى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء ، فالصورة الإسلامية لنشأة الدين عند الإنسان مفروض أن تكون هي الصورة المستقرة عند الكاتب الإسلامي ومنها ينطلق في حديثه ولاينبغي أن تسوقه اطلاعاته في المصادر الفكرية والتاريخية إلى تقرير خلاف هذه الحقيقة البدهية عند المسلم
أما الشيء الثاني الذي رأيته لبعض الكتاب فهوعلى صلة بهذا الموضوع وإن كانت الجهة مختلفة فهذا حديث لاعن نشأة الدين بل عن نشأة أدب القصة عند الإنسان وهو لكاتب آخر تحدث عن قصص القرآن حديثاً مبهماً ودافع عنه كثيراً ضد مهاجميه وحين تحدث عن نشأة القصة عند الإنسان قال : إن الإنسان حين وجد نفسه في الأرض غريباً تعب ولقي المشاق والآلام وأطال في بيان ذلك ثم قال : فكان الرجل يتحدث إلى المرأة بمالقي وتحدثه بمالقيت .
ومن هذه الأحاديث نشأت القصة عن الإنسان وأقول للأخ الكاتب : إن سياق القصص القرآني يدلنا ، وتؤيد طبائع الإنسان أن آدم حين نزل إلى الأرض هو وزوجه كانا يعيشان مأساة خروجهما من الجنة ويتقلبا في ظلالها وآلامها وكان أكثر انشغالهما بالتفكير في تلك المأساة وفي العدو الذي تسبب لهما بها وبالعهد الذي أخذه الله عليهما أن يصلحا فيردهما إلى الجنة بعد الموت وطبيعة الأشياء في الإنسان تقتضي هذه القصة تحدث بها الإنسان إلى زوجته وبنيه ليحذرهم شر العدو الذي آذى أبوهما ذلك ماتقتضيه حنان الأبوة فضلاً عن كون آدم نبياً ورسولاً يكلف بتعاليم أولاده هذه العبرة بل لايبعد أن نقول إن هذه القصة ولواحقها ظلت مدار القصة في حياة الإنسان زمناً طويلاً ومنها كان المنطلق في نشأة القصة عند الإنسان .
أقول هذا وأنا أعتقد أن الكاتبين لايعتقد ان خلاف ماجاء في القرآن ولكن أظن أنهما شغلا عن ذلك بمااستقر في آذانهما من المعلومات التي قرآها فيمااطلعا عليه في هذين الموضوعين .
والله يوفقنا وإياهما إلى سداد القول والعمل وله الحمد أولاً وآخراً .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم