آخر المواضيع
اخترنا لكم




  الرئيسية    العقيدة والفكر   أبحاث في الفكر الإسلامي
العصريون والثقافة الإسلامية



مرات القراءة:3177    
أرسل إلى صديق
أبلغ عن مشكلة في هذه المادة

العصريون والثقافة الإسلامية

الشيخ الدكتور محمود الزين

 


كثير من الكتاب العصريين في العالم الإسلامي يدعون أصحاب الإتجاه الإسلامي عمدوا إلى أن يكونوا موضوعين في مواقفهم من الحضارةالغربية وأن يحافظوا حين ينتقدونها على الدقة العلمية القائمة على دراسة عميقة للثقافة الغربية وعلومها في مصادرها الأساسية ، وهذا أمر طبيعي في صورته الإجمالية ، غير أن هؤلاء الكتاب حين يدخلون في النقد التفصيلي للإسلاميين ومبادئهم نراهم يجانبون الموضوعية فيتحدثون ويحددون مواقفهم من المبادئ الإسلامية معتمدين على مفهومهم الغربي للدين لاعلى حقيقة تلك المبادئ في مصادرها ولايكلفون أنفسهم بماكلفوا الإسلاميين به وهو الرجوع إلى المصادر الأساسية لتفهم مايراد نقده فهماً متعمقاً علماً بأن الإسلام مكتوب بلغتهم جملة وتفصيلاً بخلاف الثقافة الغربية فإنها كتبت بغير لغة الإسلاميين وهي لغات شتى ، وفوق ذلك يملؤون كتاباتهم بكلمات عن انحياز إلى الغرب وثقافته ونظمه الإجتماعية والأساسية دون إبداء أي دليل بل تعبر عن انحياز إلى مواقفه منا أيضاً نعم إلى مواقفه منا ، فالمثال الذي أمامي مؤكد لذلك كل التأكيد وهو مقال للدكتور فؤاد زكريا بعنوان (( الإسلاميون المعاصرون وثقافة الغرب)) بمجلة العربي العدد362 ص26 فالمستشرقون الغربيون حسب رأي الدكتور في مواقفهم ضد الإسلام واللغة العربية تلك المواقف التي لم يعد يغيب عن أحد مافيها من العداء والتزوير ولا تعدو في معظمها أن تكون تفسيرية استنتاجية بكل مافي الأخطاء التفسيرية الإستنتاجية من إنصاف العلماء وعدم التعصب والغرب في نظمه يقدم نموذجاً ناجحاً للتقدم والعصرية في حين أن مواقف الإسلاميين جعلت عدوها اللدود هو الحضارة الغربية بكل جوانبها من علوم وصناعات وماوجد فيها من اكتشافات واختراعات .


فالعلم الغربي متهم لدى الإسلامييين بأنه الأداة الكبرى التي أتاحت للغربيين استعباد شعوب العالم ومواقف الإسلاميين من العالم الغربي أشبه بمواقف محاكم التفتيش المسيحية للعلماء إبان النهضة الأوروبية ومبادئهم أصولية تراثية يعني تقليدية غير علمية


أتدري أيها القارئ لمَ كل هذا الإتهام الشامل ؟ لإن الدكتور محمد عمارة كتب مقالاً بعنوان ( الداروينية في ميزان الإسلام) وأخطأ في النقد حسب رأي الدكتور فؤاد زكريا خطأ فاحشاً ولاأجد من حقي أن أناقش في ذلك لإني لم أطلع على مقال الدكتور محمد عمارة ولكني أناقش هذا الإستنكار الشديد على أن توزن الداروينية في ميزان الإسلام وفي أن ذلك لايختلف كثيراً عن قياس الكوبرنيكية بميزان المسيحية وماترتب عليه من اضطهاد وتعسف حتى يقول فؤاد فكيف نصدق إذن أن العلمانية لم يكن لها مايبررها إلا في ظروف .......؟؟؟


والنقطة التي أثارت الدكتور هي أن نظرية علمية نشأت في ميدان البولوجيا تتعرض للإختبار والنقد بمقياس دين سماوي


أقول إن من حق الدكتور أن يقول هذا لإن مبادئ الإسلاميين كماذكر في مطلع مقاله دون دليل هي من المبادئ الأصولية التراثية وهي كلمة تأخذ اليوم معنى اصطلاحياً هو المحافظة على القديم وتقاليده وأساطيره دون أن يكون لها مستند علمي .


ومما يؤكد للقارئ أن هاتين الكلمتين يراد منهما هذا المعنى هو أن الدكتور حين تحدث عن الدكتور عمارة وتحوله إلى الكتابة الإسلامية عبر عن ذلك بأنه أخذ يجنح إلى تبني شعارات أقرب إلى الطابع التقليدي المحافظ ، وظاهر من هذا الإستنكار الشديد أن مفهوم الدين عنده هو المفهوم الغربي للدين أي مجموعة الأفكار العينية التقليدية التي لاتقوم على أساس علمي سليم ولذا حكم بأن قياس الداروينية بميزان الإسلام لايختلف كثيراً عن قياس الكوبرنيكية بميزان المسيحية ولو كان الدين الإسلامي عنده ديناً يقوم على أسس عقلية دقيقة لما كان فيه كل هذا الانكار فوزن العلم بميزان العلم لايستنكره أحد لاسيما النظريات التي لم تصل درجة الحقيقة ، ترى هل كلف الدكتور نفسه أن ينظر في المراجع العلمية التي تبين أسس الدين الإسلامي حين وصفه هذا الوصف وأنكرعليه هذا الانكار ؟ هل يعلم الدكتور أن العلماء الذين بينوا قواعد العقائد يقولون إن الإيمان بوجود الله وبالصفات الأساسية للإله وبثبوت النبوة وتحققها لأحد الأنبياء لايجوز أن يكون دليله إلا عقلياً قاطعاً لايحتمل الخلاف بين العلماء العقليين على اختلاف جهاتهم ولايقبل الدكتور النقلي لإن النقل لايكون حجة إلا بعد إثبات أن النقول عنه قد حتم العقل قبوله إلا إذا كان الدكتور قد اطلع على هذا واقتنع برفضه فلينافس الإسلاميين فيه بدلاً من هذا الوصف لمبادئهم بأنها أصولية تراثية وأنهم تقليديون محافظون وإذا كان لم يطلع عليها فلا يكلف نفسه بمايكلف الإسلاميين به وهو مراجعة مايريد نقده في مصادره الأساسية وإبداء الحجج العلمية في نقده ورفضه قبل الطلب الذي هو أقرب إلى طبيعة المتهم منه إلى طبيعة النقد العلمي ، وإذا كان قد اطلع على أنها أسس علمية صحيحة فلم هذا الاستنكار الشديد لقياس نظرية تقبل الأثبات والنقض بميزان دين يقوم على أسس علمية قاطعة أم كان استنكار الدكتور منصباً على اختلاف منهج الحديث البيولوجي عن منهج البحث الديني إذا كان ذلك فلاينبغي النقد بمناهج العلم أيضاً والحق هو أن نقول إن مناهج العلم مهما اختلفت لايمكن أن تخرج عن نطاق العقل وأدلته القاطعة فأدلته القاطعة يستحيل أن تتعارض وإلا كانت كلها أوبعضها غير قاطعة وإذا كان يسلم للدكتور إجماله في قوله إنه ليس من مهمة الدين أن يحكم بصحة أو بطلان بمبادئه القاطعة فإذا كانت معارضة وجب على الدين وعلمائه أن يعلنوا موقف الدين وأن يناقشوا النظرية بالأدلة العقلية التي تظهر خطأها لكل الناس بل من حقهم في حدود المعتقدين بمبادئ هذا الدين المتقنعين بسلامة أساسه العقلي والعلمي أن يحكموا عليها بالخطأ في ميزان ذلك الأساس لاالفرع الذي قام عليه ، والنظرية الداروينية مجرد نظرية لم تصل إلى أن تكون حقيقة علمية والنظريات يمكن أن تناقش بأي دليل عقلي صحيح ، وقد وجه إليها نقد كثير في ميدان البيولوجيا نفسه ومع ذلك يحتج بأكثر من أدعياء العلم على نقض ماجاء في القرآن الكريم عن خلق الإنسان بالتالي على نطاق الإسلام أساس فمن واجب الإسلاميين أن يعلنوا مواقف الإسلام منها ولامانع من مناقشتهم فيمايقولون والرد عليهم إذا جانبوا الدليل العقلي ولكن المانع كل المانع أن نصف تلك المبادئ الأصولية التراثية والمحافظة والتقيد بدون دليل علمي صحيح ، ومما ينبغي التنبه إليه أن الدكتور يقول بأن الخطأ الذي ارتكبته محاكم التفتيش أنها وزنت النظرية العلمية بميزان المسيحية وهذا لايسلم أبداً فالكنيسة وزنت النظرية الكبرونيكية بنظرية أخرى كانت تتبناها ثم على مجرد فرض أنهم وزنوها بميزان المسيحية فالمسيحية في ذلك الوقت كانت تعتبر كل مايقوله رجال الكنيسة منزلاً من عند الله بمجرد أن يصدر عن الكنيسة ولولم يكن له مستند من كتاب دينهم فرجال الدين عندهم في ذلك الوقت لايتكلمون إلا بوحي من الله وإنما يختلف مفهوم الدين والموقف من حاله عند المسلمين عن ذلك اختلافاً كثيراً كمايتبين لمن يطلع على أصول عقائده ولايمكن التسوية بينهما إلا على أساس المفهوم الغربي للدين ، وكان الدكتور يبني نقده على ذلك ولذا راح ينقد الإسلاميين في صراعهم الفكري مع الغرب بأنه لايقتصر على التنديد بسياسة الغرب وتاريخه غير المشرف في التعامل مع شعوب العالم الثالث وشعوب الإسلام بوجه خاص وإنما يمت إلى مهاجمة العرب في أسلوب حياته وطريقة تنظيم مجتمعه ونوع القيم السائدة لديه . فحتى أسلوب الحياة والنظم الإجتماعية والقيم السائدة وهي أمور نظرية لاتقوم عليها العلوم الأخرى لايصح للإسلاميين أن ينتقدوها لإن كل مايصدر عن أوروبا علم حديث لايقبل الوزن بتقاليد قديمة كأنما يتصور الدكتور أن القضية مع الغرب قضية سياسية محضة فينبغي أن تقتصر على هذا الجانب وحده ( السياسة والتاريخ غير المشرق) أما المبادئ والقيم ونظم الحياة فكأنه لاعلاقة له في القضية علماً بأن المواقف تنشأ عن المبادئ أو القيم بداهة فهي أحق بالنقد بل هو الجانب المهم لدى كل أصحاب المبادئ حين يقدمون مبادئهم للناس وأحرى المبادئ بذلك الإسلام الذي يقدمه أهله على أساس أنه موقف من جوانب الحياة كلها ومافيها وهل يقال للإسلاميين اقتصر على نقد سياسة الغرب ومواقفه غير المشرفة دون مبادئه وقيمه ونظم حياته إلا بناء المفهوم الغربي للدين وأنه لاعلاقة له بالحياة إذا كان الأمر كذلك في رأي الدكتور فلابد من تحويل الحديث إلى مفهوم الدين وإلى علمية الإسلام وعلاقته بالحياة ومناقشته من أساسها نقاشاً علمياً موضوعياً