آخر المواضيع
اخترنا لكم




  الرئيسية    دعوته وعلومه    مجالسه ومذاكراته   المنجيات
صحبة الصادقين



مرات القراءة:2656    
أرسل إلى صديق
أبلغ عن مشكلة في هذه المادة

صحبة الصادقين


قال رضي الله عنه : قال الله تعالى { يا أيها الّذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين }
[ التوبة 119] لماذا؟ لأن الصادقين ما عندهم إلاّ الصدق والأمانة والعفّة، والكمالات نأخذها عنهم، فمن الصادقين نأخذ الصدق، لأن النفس يا أولادي تقبل الخير وتقبل الشر، فإذا جالست أهل الخير تأخذ الخير، وإذا جالست أهل الشر تأخذ الشر، النفس هكذا عادتها، الطباع سرّاقة وكل طبع سرّاق، وطالما هو سرّاق إذن نجلس مع أهل الطباع السليمة الطيبة، أهل الفطرة الإلهية والأمانة والنزاهة والعفّة والشرف والشجاعة أهل الكمال، الله الله .
من أراد الخير كلّه فليجتمع مع أهل الله الصادقين .إذا أراد الله أن يمنّ عليك رزقك مصاحبة الصادقين، ما أفلح من أفلح إلاّ بصحبة من أفلح، ولا خاب من خاب إلاّ بصحبة من خاب .اثنان لا تصحبهما أبداً حبّاب الدنيا وحبّاب النفس، فإنهما لا يعطيان الصحبة حقها .
الصحبة صحبة القلب، الّذي يصحبني لابدّ أن يكبر عقله .الّذي يصحب أهل الله ينقى ويتلطّف .صحبة خصوصية حتى تدرك الخصوصية .مطلوب من الإنسان أن يصاحب أهل اليقظة حتى يكون يقظاً على الدوام .إذا رأيت الرجل لا يتغير بصحبة أهل الله افهم أنه عادي أكلّه وشربه ونومه..
بالصحبة الصادقة يصل بلحظة مقدار أربعين سنة، والّذي يصحب أهل الله تكون عنده نفس؟هذا لا يكون أبداً، فالّذي يصاحب أهل الله ليس عنده نفس .تجلس جلسة واحدة مع أهل الله بصدق تكون من أكرم الكرماء ومن أشجع الشجعان .أحسن ما رأيت صحبة أهل الله، هي التي تخلّص الإنسان من الكبر والعجب .
لا يعطي الصحبة حقها من كان حبّاب دنيا او محباً للمدح .الرجل المليح يجب أن يجعل له صاحباً صادقاً أو على أثر الصدّيقين، ولا يفهم الصلاة إلا إذا جلس مع الصدّيقين
لا تصحب إلا من ينهضك حاله، ويدلّك على الله مقاله .
من جالس أهل المعنى يكون من أهل المعنى ولا يفارقهم أبداً .
الّذي وجدته حسب التعليم والتعريف الإلهي أن المريد لابدّ له من محاسبة النفس، والمحاسبة تصعب على المريد جداً، إلاّ إذا كان له صاحب صادق، قال صلى الله عليه وسلم : المؤمن مرآة أخيه المؤمن
(1) وإذا منّ الله عليك أيها المريد بالصاحب الصادق يمنّ عليك بعدها بالمرجع .أولادي إذا أردتم أن تصيروا ملاحاً اجتمعوا مع الطيبين الصادقين.
إذا منّ الله عليك وصاحبتَ واحداً منهم نجحتَ، نفهم أن الحق أراده، لكن لها علامة يشهد المرجع منزَّها من كل الوجوه، وعنده ثقة مطلقة بالمرجع، مركوبكم الاعتقاد، على قدر ما أراد الله أن يوصله بسرعة يعطيه اعتقاداً أكبر وأوسع، والمرجع ليس له دخل ظننتم فيه الخير أو الشر؛ هو على ما هو عليه، لكن الخير والشر لكم يا معتقدين، أما إذا صار عندكم شك سيئ فهذا شيطانكم ونفسكم الخبيثة من أجل أن تقفوا ولا تسيروا!
أعطيت الصحبة حقها للصحبة وليس للمرجع أو الرسول صلى الله عليه وسلم معنى الصحبة تعود للشخص الماشي السالك الّذي يريد أن يصاحبنا، تعود للصاحب وليس لنا، المرجع لو حكى عليه الأنس والجنّ فهو مسرور؛ فاهم أن هذا رقيٌّ له، الذم لا ينقصه وإنما يوقظه، إذا شك واحدا بالمائة يسري فيه الفساد والشرور فتقطعه! الإنسان قبل أن يكمل قابل للرجوع بجلسة واحدة مع الشريرين، يكون منذ عشرين أو أربعين سنةً من أجمل ما يكون لأنّه ما وصل للحقيقة فبجلسة مع الشريرين يطير هذا كلّه ويقلب كل اعتقاده العالي إلى الأدنى!! عقيدتكم واعتقادكم في المرجع هو ميزانكم، على مقدار المرجع عندكم تصلون إليه، وإلاّ فالمرجع تمدحه أو تذمه سواء , لأنّه اكتفى بعلم الله فيه، المريد الصادق دائماً بالشهود والملاحظة أينما كان، صاحب مرتبة العلم اللدني قليلون في العالم , الصادق يتطلبه يشهد أن له ضائعاً، لكن ما هو الضائع؟ لا يعرف، يبحث: بسنة، بسنتين، ناس من صغرهم يلاقونه، وناس بكبرهم.. سيّدنا سهل التستري رضي الله عنه وجده وهو صغير، كان ابن ثلاث سنين، كان خاله المرشد الكامل محمّد بن سوار، كان نائماً وقام الليلَ، يقوم الصغير معه، قال : نم، قال : نم أنت! نم، نم أنت.. ما نام! توضأ الخال توضأ ابن الأخت، صلّى الخال صلّى ابن الأخت، مواظب دائماً، قال له : يا ابن أختي، أريد أن أعلمك كلماتٍ، قال : نعم! (ابن ثلاث سنين) قال: قل: الله شاهدي الله ناظري الله معي، علمه إياها قولاً، لكن الولد فيه حقيقة، صار يقولها كل يوم مرة، بعدها: رقّاه مرتين.. بعدها رقّاه للإحدى عشرة مرة في الأربعة وعشرين ساعة.
بعدما ترقى الولد.. صار عمره ست سنوات، قال لأبيه: علّمني القرآن، ولكن اجعلني عند الشيخ المعلم كل يوم ساعة فقط؛ أخاف على قلبي أن يفقد! (الله أكبر! يخاف على قلبه أن يفقد وهو ابن ستّ سنين، لأنّه نور خالص، ووالده مثل الأجير بين يديه) فأخذه إلى الشيخ..
كان الشيخ الّذي يعلم الأطفال ولياً من أولياء الله، لما رأى هذا الولد وصدقه ونوره توجّه الشيخ إليه، انجذب إليه كتوجّه سيّدنا يعقوب إلى سيّدنا يوسف عليهما السلام.. رفقاؤه حسدوه! راحوا قالوا لآبائهم: نحن شيخنا لا يحبنا لأن الصغير عقله صغير، الغيرة والكيد دائماً يأتيان من ضعف العقل , وحين شكى الأولاد لآبائهم جاء الآباء إلى الشيخ.. قالوا: شيخي شيخي.. قال: نعم! قالوا: أليس هؤلاء أولادك؟ قال: نعم، أولادي، قالوا: لماذا تحبّ سهلاً أكثر من أولادك الآخرين؟ قال لهم: اقعدوا.. فقعدوا.. حتى جاء الأولاد كلّهم، قال لهم: يا أولادي غداً كل واحد منكم يجيء ومعه دجاجة حيّة! وأنت يا سهل كذلك، وأنتم يا آباء تعالوا غداً..
جاءوا صباحاً مع الأولاد ومع كل واحد دجاجة حيّة، قال لهم الشيخ: يا أولادي، فليأخذ كل واحد منكم دجاجته ويذبحها في محل لا يراه فيه أحد، فذبح الأولاد جميعاً دجاجاتهم وجاءوا، أمّا سيّدنا سهل، فالآن يجيء، الظهر يجيء، العصر يجيء.. فلما جاء فإذا بدجاجته معه حيّة! قال له الشيخ: لماذا لم تذبحها يا ابني؟ خاف وهو لا يزال ابن ست سنين، قال له: مولاي، أنت قلت لي اذبحها في محل لا يراك فيه أحد، قال له: نعم، قال: مولاي، أين ما أكون أرى الله يراني!.. هؤلاء الآباء قالوا له: شيخي، والله هذا زهّدنا في أولادنا، هذا يحُب، ومن لا يحب هذا؟.. ثمّ انصرفوا..
فختم القرآن الكريم بسرعة، وصار يشهد قلبه ساجداً لله، يسأل العلماء "كأنّه ما صادفهم عارف بالله، علماء بالصورة" مولاي، القلب يسجد؟ يقولون له: لا.. بل الأعضاء السبعة تسجد "كما جاء في الحديث الحديث" بقي يسأل ويسأل ويسأل.. إلى أن صار عمره ثلاث عشرة سنة وهو يشهد قلبه ساجداً لله تعالى، إلى أن دلّوه على عارف بالله في البصرة، فاستأذن فأذن له والده.. وعند مجيئه إلى الشيخ قال له: مولاي، القلب يسجد؟ قال: نعم ولدي إلى الأبد الفقير أزيد من عندي أقول: القلب ساجد من الأزل إلى الأبد؛ لأجل ذلك الحق ما سلّمنا إياه قلوب الخلائق بين أصبعين من اصابع الرحمن، يقلّبها كيف يشاء
(2) من رحمة إلى رحمة. فبقي هذا التلميذ عند ذلك الشيخ العارف.. إلى أن تخلّق وتحقّق وصار شيخاً..
فجاء يوماً من الأيام إلى صومعة من صوامع النصارى لأن سيّدنا سهلاً كان في القرن الثاني بعد الرسول صلى الله عليه وسلم جاء إلى صومعة وفيها مسيحيون يتعبّدون، طرق الباب على واحد، قال له: ماذا تريد؟ قال له: أدخلني عندك؛ أتعبّد الله، قال له: ما هو دينك؟ قال له: مسلم.. قال: اخرج اخرج! قال: لماذا؟ قال له: نبيكم محمّد لم يصم أكثر من ثلاثة ايام، أمّا المسيح فقد بقي أربعين يوماً صائماً! قال له: طيّب، افتح لي أدخلني عندك: فإن بقيت أربعين يوماً أتدخل في ديني؟ قال له: نعم، قال له: وأنا إذا ما بقيت أربعين يوماً أدخل في دينك، دخل.. وبقي أربعين يوماً بدون طعام!! هذا عنده ألاربعين يوماً مثل ساعة ساعتين؛ مروّض! قال له: وعشرة أيام من أجلك لأنّك أسلمتَ! صام خمسين يوماً، دخل المسيحي في دين الإسلام..
أولادي، إذا تريدون أن تصيروا ناساً ملاحاً طيبين اجتمعوا مع الجماعة الطيبين الصادقين، بنفسك لا تقدر أن تفهم، نحكي لكم عن ذوق لا عن قيل وقال، تحتاج إلى صحبة، صحبة الصادقين، الصادقون تخلَّقوا ويقولون، ويفعلون بما يقولون، ويتخلَّقون بما يفعلون، الخُلُق يعني القول والفعل شاهدا عدلٍ لهم لحالهم الحال الموجود، الحال لا يكذب، القول قد يكون كذباً، الفعل قد يكون رياءً، الحال لا يكون، وهكذا.. علينا العمل بالدين، عليكم بالتطبيق، علم وعمل ويخرج من العلم والعمل شيء نوراني حقيقي، شرط أساسي عندكم همّة، هؤلاء أهل الله عندهم شريعة وعندهم طريقة، إذا تأدّب بآداب الشريعة وتخلَّق بأخلاق الطريقة وكان عنده همّة قوية لا تقف إلاّ عند الله لابدّ أن تتولّد الحقيقة، أما إذا اكتفى بالاسم أو بالصورة لا لا.. رأيناهم بعيننا عندهم آداب شريعة حقيقةً وأخلاق طريقة حقيقةً لكن ما عندهم همّة ما عندهم من الحقيقة شيء ألبتّة! قيمة المرء همَّتُه الّذي عنده همّة لا يقف مع غير الله، لا يقف مع المخلوقات، لابدّ من الهمّة، يقف مع الخالق جل جلاله ويشهد شهوداً ذوقياً أن الفعّال المطلق هو الله لا غيره.. من عمل بما علم ورّثه الله علمَ ما لا يعلم
(3)
ومن عمل بالعلم الثاني علم التقوى ورّثه الله علم ما لا يعلم، وإلى ما لا نهاية.. { فإذا فرغت فانصب، وإلى ربك فارغب } (الضحى 7) لا وقوف، الموفِّق هو الله، هو الهادي، وجب علينا أن نقرّ ونعترف ونذوق أن الموفِّق هو الله، لا نقف , الاخر يقول أنا وأنا.. ويقول ان فلاناً لو يعمل بما قلتُ.. وأنا قلتُ.. ولو يعمل بما قلت له لنجح .. هذا شخص على الهامش، الحيوان أحسن منه!

(1) : سنن الترمذي بلفظ : (إن أحدكم مرآة أخيه) برقم (1929) 4/ 425.
(2)  صحيح مسلم برقم (2645) 4/ 2045.
(3)
  : أخرجه أبو نعيم في الحلية 10/ 15.