آخر المواضيع
اخترنا لكم




  الرئيسية    دعوته وعلومه    مجالسه ومذاكراته   المنجيات
نسبة النعمة إلى المنعم



مرات القراءة:1973    
أرسل إلى صديق
أبلغ عن مشكلة في هذه المادة

نسبة النعمة إلى المنعم

 

الإنسان بروحه، وهذا الروح هو المراد، وهناك روح الأشياء وهو الفهم، هو النور الإلهي، كما قال الله تعالى { ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور } (النور 40) فالإنسان يدرك بالنور ويميز الصغيرة عن الصغيرة، والنور من الله لا تنسبوه لأنفسكم! إذا نسبتم شيئاً لأنفسكم اُخرِجتم، كل شيء نراه معنا وهو صحيح نقول ذلك فضل الله، إذا واحد صادق فمن وفّقه للصدق؟ الله.. {ذلك فضل الله } [الجمعة 4 ] ليس من عندنا، النعمة منسوبة إليه جل جلاله أعطاك علوماً ومفاهيمَ ومعارفَ فانسبها إليه لا يصح أن يُنسَب لك شيء أبداً، وإذا نسبتَها إليك تصير مثل إبليس! يعمل بكم مثلما عمل بإبليس! لا يكون الفضل إلاّ من الله {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض } (البقرة 252).

إيّاكم أن تقولوا أنا! اثنان قالوا أنا، فرعون قال { إنا ربكم الأعلى } (النازعت 24) فأغرقه في البحر، نجّى الله بدنه لأن البحر ما قَبِل جثة فرعون! الأخلاق والرحمة نأخذها من القرآن، قال الحق لسيّدنا موسى وهارون {فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى } (طه 44) وبالفعل حكوا معه كلاماً ليناً؛ نفعه عند الغرق ونطق به وقال {آمنت أنه لا إله إلاّ الّذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين} (يونس 90) أما قُبِل منه أم لم يُقبَل هذا عائد إلى الله، أما واحد يقول: فرعون ما آمن وما أسلم.

فهو كافر! لأنّه خالف القرآن، إذا أراد الله أن يتوب على فرعون أو على الشيطان نحن ليس لنا دخل، هذا عائد إلى الله، فرعون عندما قال { أنه لا إله إلاّ الّذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين } غرق في الحال، أما قَبل الإيمان قال {ما علمتُ من لكم إلهاً غيري! } (القصص 38) لو كان هناك نص لا يوجد خلاف، لكن هنا لا يوجد نص، أنا لو تسألوني، أميل إلى الرحمة دائماً، أريد كل الكفّار يؤمنون وكلّهم يدخلون الجنّة، مهما كان فاسقاً أريد الله يتوب عليه (يا بارّ ردَّ لي عبدي العاق) وقال {وما أنا بظلاّم للعبيد } (ق 29) { وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } (النحل 33) الطرفان الّذين قالوا عن فرعون كلامّهم مؤوَّل، كبار الأولياء أهل الرحمة قالوا بنجاته، الشيخ الأكبر قال بنجاته، وقال بمحل آخر بعدم نجاته! قال بنجاته بعد قوله الأول.. كلامهم أكثره فتوحات، أما نحن فنقول: لا نجاة ولا غير نجاة، نقول: آمن وأسلم وأمره مفوَّض إلى المشيئة الإلهية.. فرعون رأى بني إسرائيل طلعوا من البحر وما غرقوا وقال {آمنت أنه لا إله إلاّ الّذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين} (يونس 90) الإيمان مرتبة قلبية، الكلام قابل للنجاة وقابل لغير النجاة، سيّدتنا رابعة العدوية قالت: استغفارنا يحتاج إلى استغفار، لأنّه باللسان، التوبة هي التصميم أن تندم على ما فعلتَ، الّذين قالوا بنجاته أكابر العلماء وأكابر أهل الله، وليس الأصاغر، والّذين قالوها لا يوجد أكبر منهم.. والثاني: الّذي قال أنا هو إبليس { قال: انا خير منه } (ص76) فطرده من رحمته، أيُّهما أقوى فرعون أم الشيطان؟ الشيطان أقوى؛ الشيطان كل الشرك فيه، عندما الحق لعن إبليس فتك! قالوا له لماذا؟ قال:

ألبسني خرقة ما ألبسها لغيري!! هذا من الحسد، لله درُّ الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله!! سيّدنا الرسول صلى الله عليه وسلم أوذي كثيراً وصبر، أوذي كثيراً وصبر، وبعدها قالوا كلّهم: فداك أمي وأبي يا رسول الله! وهذه هند زوجة أبي سفيان لما أسلمت كسّرت الصنم وقالت:

غررتنا هذه الأيام الطويلة.. بيدكِ عملتيه وأنت تعبدينه، لا يوجد عقل!!

قبل وجود الرسول صلى الله عليه وسلم كنا في ظلمة، قال الحق { هو الّذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرؤوف رحيم } (الحديد 9) جاء سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم بالنور (المهم أن الإنسان بصير) الشمس طالعة لكن الأعمى لا يراها ولا يرى آثارها، البصير يرى الشمس ويرى الأشياء ويرى الأشجار والألوان.. إلخ

كذلك إذا واحد أعمى البصيرة وهذا كثير لا يقف إلاّ عند الألفاظ، العلم الحقيقي هو النور، هو يكشف الحقائق، نور وظلمة لا يجتمعان، لا يمكن واحد عنده العلم الحقيقي ويكون عنده إطراء أبداً، الإطراء: المدح بالباطل، يكون بالأحزاب وبالطرق كثيراً، أهل النور أهل الفضل الإلهي كل شيء ينسبونه لله جل جلاله هذا العاقل الموفَّق، معناه قابل للكمالات والأمانات الإلهية، هو الّذي أعطانا هو الّذي وفَّق، بهذه النسبة إليه تزداد النعم، صغيرة تكبر وتكبر.. لأنّك رددت الأشياء إلى أصلها، دل عندك نور ولطافة وفهم، ودل أنّك عبد لله، وليس عبداً لغير الله، كثير من الناس عبيد لغيرهم كثير كثيراً (غمض وامسك!)، شكرها: قلّتها أو زيادتها، تردون النعمة إلى المنعم، لا تظنّوا حالكم على شيء، دائماً فضل الله علينا بالسرّ والعلانية بالظاهر والباطن، دائم الدوم نكون يقظين، نحن علينا الشكر وهو عليه النعم، من أجل ذلك الّذي يتكلّم بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لابدّ أن يكون نوعاً ما متخلقاً متحققاً بالحديث حتى يعرف كيف يأتي به، حتى يصير هو عين الحديث، قال: لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد(1) قولوا: عبد الله ورسوله، قولوا: سيّد الوجود، قولوا: روح الوجود، لا تقولوا: إله، إيّاكم! سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم أعلى ما وصل إليه العبدية الكاملة من كل وجوهها، لا تتوهموا أن سيّدنا محمّداً إله خالق رازق معطٍ مانع.. لا والله أبداً، قال سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم: أجلسُ كما يجلس العبد، وآكل كما يأكل العبد(2) هو عرّفنا العبدية حقاً، لا يوجد أجمل وأطيب من هذه الأكلة، لذّتها لذّة حقيقية! لماذا؟ لأننا ما نسبنا لأنفسنا شيئاً، ننسبها للفضل الإلهي

 {إن الله على كل شيء قدير } [البقرة 20 ] نحن غير قادرين لا على الصغيرة ولا على الكبيرة { يا ايها الناس، أنتم الفقراء إلى الله، والله هو الغني الحميد } (فاطر15) صدق الله العظيم .

قال رضي الله عنه : الشكر الحقيقي هو أن ترد النعمة إلى المنعم، واللسان مساعد للقلب، وإلاّ فهو مرتبة قلبية فإذا أسندت النعمة إلى المنعم فأبشر بالزيادة من تلك النعمة، قال تعالى: { لئن شكرتم لآزيدنكم } [إبراهيم7] ومن شُكْر النعمة وضْعها في محلها بعد إسنادها إلى المنعم .

إذا أعطى أحد شخصاً شيئاً وجعل نفسه هو المحسن إليه فالحق سبحانه وتعالى يسلط ذلك الشخص عليه رحمةً به، ليعرّفه أن المحسن هو الله جل جلاله . أنصف يا منصف لا تنسب الأشياء إليك { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم } [الجمعة 4 ] إيّاكم أن تشتغلوا بالنعمة عن المنعم، لأنّها تحجبكم عن المنعم .

إذا توهم الإنسان أو ظن أنه في يوم من الأيام أو نفَس من الأنفاس أنه مليح سقط من عين الله .

المربى ينسب العمل إلى الله، لا إلى نفسه { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم } [الجمعة 4 ] لا يعرف الفضل من الناس إلاّ ذووه .

إذا رأى أحد نفسه عنده علم وعنده عبادة وعنده صلاح فهو لا يفهم ألبتّة .

إذا رأيتم أنفسكم أحسن من غيركم أو رأيتم أنفسكم مليحين يسحب السرّ من عندكم ويعطيه لشخص كان كافراً يرزقه الإسلام ثمّ يعطيه السرّ الّذي كان معكم .

إذا رأيت نفسك أحسن من غيرك فالكلب أحسن منك، وإذا كان فيك شيء من الفضل الإلهي {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم } [الجمعة 4] ولا تنسب ذلك الفضل لنفسك .

النعمة توصل إلى المنعم، والنقمة توصل إلى المنتقم، فدوام النعمة شكرها، أما إذا أنعم الله على عبد نعمةً فنسبها لنفسه سلبها منه . النعم إذا نسبها الإنسان لنفسه يصير مثل إبليس .

الكعكة ( الرغيف ) إذا شاهدت نفسها انقطعت عن العجين، لا تنسب إلى نفسك شيئاً . إذا رأى أحد منكم أن عنده عمل أو علم فعليه أن يرده إلى الله . أتعجب بنفسك ولا تسمي العمل فضل الله عليك؟ إيّاك تنظر حالك أحسن من غيرك، الله أعطاك علماً أعطاك فهماً شيئاً ليس لك كيف تنسبه إليك؟ هذا ليس بإنصاف! والله لا أقدر أن أقول أنا، بل { لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } [ الأنبياء 87 ] .

نعمتان من أجلّ النعم نعمة الإيجاد، ثمّ نعمة الإمداد

(1): صحيح مسلم برقم (3261) 3/ 1271.

(2) : سنن البيهقي الكبرى برقم (14428) 7/ 283