العمل عبادة
قال رضي الله عنه : الشغل عبادة، اشتغلوا واعملوا حمالاً حصّاداً حارساً ناظراً، لا عيب أبداً، عيب أن ( نشحذ )(1) .
الحارس يحرس والفلاّح يزرع..كلّه عبادة . أمرك بالتجارة، زيّن التجارة بصدقك وإخلاصك، أمرك بالزراعة إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه (2) .
سيرك وسلوكك إلى الله هو الإتقان في عملك . احمل الحجر من هناك ثمّ ائتني به، ولا تقعد بدون عمل . إيّاكم أن يطعمكم أحد اليد العليا خير من اليد السفلى (3) ولكن لا تنهمك، أنا أشتغل كل الشغل لكنني فوق الشغل كلّه .
إيّاك أن تكون بطالاً ولو أن تطق حجراً بحجر، عليك أن تأخذ بالسبب والباقي على الله سبحانه وتعالى. نحن نأخذ بالسبب ونعمل بالسبب، ولكن لا نقف مع السبب، نقف مع مسبب الأسباب . الزهد في الدنيا لا ينافي العمل فيها، لأن الزهد مرتبة قلبية لا يدوية.
لا يحبّون الدنيا لا يعني أنهم لا يشتغلون بها، يشتغلون بالدنيا ولكن يزينونها، الزهد الحقيقي هو زهد القلب، ولا مانع من وجود المال بيد المؤمن يقول به هكذا وهكذا { والّذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم } [ المعارج 24 ـ 25 ]، نعم المال الصالح للرجل الصالح (4) .
لا أرضى أحداً يكون بطالاً، البطالون لا أحبهم، زارعوا تاجروا صانعوا كاتبوا، ولكن بصدق وإخلاص، لأن الوجود لا يقوم بغير زراعة بغير تجارة بغير صناعة، أمرنا الله سبحانه بالزراعة نزرع، أمرنا بالتجارة نتاجر، حدادة نجارة بشرط الصدق، ولابدّ لمن يريد أن يتعلم الحدادة أو التجارة أن يحب معلمه فيها . كل مكلف بوظيفة أو عمل يجب ان يخلص فيه حتى يوصله إلى الله. ميزان الأعمال المقبولة قال رضي الله عنه : الأعمال المقبولة تثمر شيئين الوجهة إلى الله تعالى والأخلاق .
حديث المرأة التي قالوا فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله إن فلانة تصوم النهار وتقوم الليل، إلاّ أنها تؤذي جيرانها بلسانها، فأخبر صلى الله عليه وسلم هي في النار (5) أنا أعلمكم لماذا هي في النار ، إن صلاتها وصومها غير مقبولة عند الله، لو كانت عبادتها مقبولة عند الله لأثمرت وأعطتها الأدب .
إذا عمل أحد عملاً من أجل الناس فهذا اسمه رياء .
وإذا ترك عملاً من أجل الناس فهذا اسمه شرك .
وإذا لم يلاحظ الناس فهذا اسمه موحّد .
السير إلى الله تعالى ليس مربوطاً بكثرة الأعمال، بل بصدقكم بالأعمال وبتحقيقها .
الإنسان نتيجته أخلاقه لا أعماله، أعماله إذا كانت مقبولة عند الله تهضم إلى الأخلاق، وصاحب الشخصية لا يسيء الأخلاق، حياة الإنسان بحسن المعاملة .
الأعمال شرطها أن تكون مركوزة على طهارة النفس من الأوصاف المذمومة، فإذا صدر العمل من شخص نفسه غير مطهرّة لا يكفي لأنّه في خطر يهدم عمله بغضبة واحدة . وإذا عمل الإنسان عملاً فصار عنده بسط وسرور وفرح تبين أنه مقبول مراد، وإذا صار عنده قبض وانزعاج تبين أن العمل غير مقبول .
* * * * * * * * * * * * * * *
(1) : ( شحذ ) : استجدى استعطى، وفي القاموس المحيط ) للإمام الفيروزآبادي : والشَّحْذُ .. الإلحاح في السؤال وهو شحاذ مُلِحٌّ .
(2) : صحيح البخاري برقم (1361) 2/ 518 ، مسلم برقم (1032) 2/ 717.
(3) : مجمع الزوائد4/98. قال الهيثمي: رواه أبو يعلي وفيه مصعب بن ثابت وثقه ابن حبان وضعفه جماعة
(4) : صحيح ابن حبان برقم (3210) 8/6.
(5) : المستدرك على الصحيحين برقم (7304) 4/ 183، قال الحاكم: حديث صحيح ولم يخرجاه.