آخر المواضيع
اخترنا لكم




  الرئيسية    دعوته وعلومه    مجالسه ومذاكراته   المنجيات
الصبر على الابتلاء



مرات القراءة:2743    
أرسل إلى صديق
أبلغ عن مشكلة في هذه المادة

 الصبر على الابتلاء

 

قال رضي الله عنه : أصل الابتلاء كلّه للمحبة إذا أحب الله عبداً ابتلاه (1) .

الحق سبحانه وتعالى هو الّذي يبتلي لا أحد معه في الوجود ألبتّة .

وما ابتلاك إلاّ ليطهرّك، وما يطهرّك إلاّ ليرقيك، وما يرقيك إلاّ ليجعلك جليسه!! نعرفها من نفس المبتلى، فإن سخط وغضب فهذا انتقام .

وإن صبر فهذا رقي .

وإن رضي فهذا أعلى وأعلى، وهذا مراد الحق سبحانه وتعالى .

الحق يناديك هو أكرم الأكرمين، جرت عادة الله إذا قام أحد بعمل خالص لله فلابدَّ أن يبتليه، كل عمل خير أمامه ابتلاء، كل قضية تعملونها لله فيها ابتلاء، لا يمكن إلاّ أن يبتليك، اصبر وانظر.. يفتح لك ويرقّيك كنتَ تعتقد صرتَ تذوق، كنتَ تصدّق صرتَ يقيناً، صرتَ منهم.. هذه عادة الله، أنت وعملك ملك لله، والحق يقول {لمن الملك اليوم؟ } (غافر 16) لا يوجد أحد، الأنبياء والأولياء والملائكة { لله الواحد القهار } كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان (2) الّذي يجعلكم تَثبتون على الابتلاء هو صحبة الأكابر من أهل الله، الصحبة الصحبة، جمعة، أسبوعين، شهرا، أكثر أو أقل، تعدل عبادة أربعمائة مليون سنة!!

لكن الصحبة لها حق، إن صدقتَ يبين لك وينصحك، وإذا لم ينصحك اتهم نفسك، إذا ينصحك بالصغيرة والكبيرة أدخلك عنده، والدليل في ذلك أنّك تسمع لما ينصحك، تبكي وتنكسر وتنذل، وترى ليلة القدر العادة أن ليلة القدر يراها مرةً بالسنة هذا عنده كل لحظة ليلة القدر!.

يقول علماء الطبيعة أن الّذي يكظم غيظه تتولد عنده عقده نفسية، لذلك يجب على الإنسان أن يظهر ما في باطنه، وإن هذا الكلام خلط، يجب أن نكظم الغيظ، لأن فيه تطهيراً للنفس وللذنوب وللمعاصي، ويطهر القلب، ويحدث معه صفاء!.

إيّاكم إذا غضبتم أن تنفذوا غضبكم .

الطين فيه الشهوة والغضب .

الابتلاء يخلصك من الأغيار ومن عبادة الأصنام، كي لا تبقي في قلبك أحداً .

الابتلاء نعمة، نعمة إذا عرفت المبتلي فتوجهت إليه، فوصلت بواسطة الابتلاء .

الابتلاء نقمة، نقمة إذا كنت غافلاً عنه فبعدتَ عنه بواسطة الابتلاء.

لقد جرت عادة الحق إذا أحب عبداً أن يسلط عليه معشوقه الّذي علق قلبه به مهما كان والناس في الابتلاءات يختلفون منهم المرادون للحضرة الإلهية وهم من إذا ابتلاهم الحق فسلط عليهم محبوبهم من زوجة أو مال أو صديق أو ولد أخذوا العبرة فأخرجوا الكل من قلوبهم دفعة واحدة ولا رجعة وهؤلاء هم الدرجة الأولى، وآخر يخرج من قلبه الّذي سُلِّط عليه، ويعلّق آخر، ثمّ يسلط عليه أيضاً، وهكذا يبقى في التسليط من واحد إلى آخر، وهذا وسط .

والثالث الّذي يتلقى الأذى من إنسان ثمّ يصالحه ويرجع إلى ما كان عليه لا يأخذ عبرة! وهذا لا خير فيه .

بيننا وبين معرفة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم الجبل الكبير وهي ست نفّوس، أم الغضب، لما تغضب لا تعرف كبيراً ولا صغيراً ولا مقدَّراً ولا منـزهاً، الخير كلّه في برود القلب .

إذا رأيتم شخصاً يذم نفسه ويقول أنا لست بشيء، وحين يذمّه الغير يغضب وتقوم قيامته فهذا اتركوه لأنّه صغير وليس بكبير .

عندما تغضب يركبك الشيطان ويخبطك أي يرميك , من فوق إلى تحت، تحسن إلى شخص عشرين سنة أو ثلاثين سنة ثمّ يغضب غضبة واحدة ولا يتذكر الإحسان قطعاً لا يذكر إلاّ الغضبة، وهذا الشيء وقع معي كثيراً، أسأل الله تعالى أن لا يؤاخذ أحداً أحسنتُ إليه ثمّ أساء معي.

لا تتعبوا! إذا لم تزّكّ النفس لا تستفيد شيئاً، تبقى عشرين سنة أو ثلاثين سنة تصلي وتدرس وتبكي وتذكر وإذا غضبت تخرب الدنيا.

الفارق بين الغضب للنفس والغضب لله أن الغاضب لله بمجرد ما يظهر له الحق يتلاشى الغضب ويرجع، الثاني مثل الحصان البطران.

الفرق بين البلاء والابتلاء الأول : اسم المنتقم، والثاني : اسم المحب إذا أحب الله عبداً ابتلاه (3) ، الابتلاء يتكلّمون عليكم كلاماً ما أنتم بعامليه أبداً، فهذا هو الابتلاء، وأما إن كنتم عامليه فهذا هو الانتقام، وهذا بلاء .

إذا عملتم عملاً حسناً وتكلّمت الناس عليكم فمعنى ذلك أن الحق أراد أن يختاركم حتى يحملكم الكمالات الإلهية .

الإسلام قسمان نصفه صبر ونصفه شكر، الإنسان لابدّ أن يقوم بالمرتبتين، جرت عادة الله أن الابتلاء قبل، لذلك يخرج منه الصبر { وما يلقّاها إلاّ الّذين صبروا، وما يلقّاها إلاّ ذو حظ عظيم} [فصلت 35] لابدّ من الصبر، والّذي ما عنده استعداد للصبر ما عنده كيان عند الحضرة الإلهية، هذا يعتبر إنساناً عاديّاً في السير ما وجد واحد في الوجود وصل إلى الله بدون ابتلاءً، على الخصوص إذا يريد أن يجعله مظهراً، لابدّ أن يبتليه ابتلاءات حسب ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم :

 أشدكم بلاءً الأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل (4) لكن الحق يمنّ عليه بعدها، الرسول صلى الله عليه وسلم والرسل عليهم السلام من أول قدم يعرفون ذلك، أن المبتلي هو الله، العارف بالله قبل أن يدخل بالمعرفة يشهد المبتلي هو الله، وجاءت السورة الصغيرة {والعصر إن الإنسان لفي خسر (كل إنسان خاسر) إلاّ الّذين آمنوا (لا تكفي) وعلموا الصالحات (لا تكفي) وتواصوا بالحق (لا تكفي) وتواصوا بالصبر } العصر( 3) الصبر آخرها وأمَرُّها {فاصبر وما صبرك إلاّ بالله } (النحل 147). افهموا أن المبتلي هو الحكيم، وأن الابتلاءات هي كمالاتنا { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عمـلاً } [الكهف 7 ] الابتلاءات والانتقامات كلّها فيها التطهير حتى جهنم، ما جرت عادة الله أن يختار عبداً بدون ابتلاء، حتى المجذوب إذا أراده يسلط عليه أولاداً يضربونه بالحجارة .

كلما كانت مرتبته عند الله أكبر كانت ابتلاءاته أكثر أشد الناس بلاءً الأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل سبب الرقي الابتلاء، الابتلاء ضد النفس .

إذا عمل أحدكم خيراً وأخلص فيه فلابدّ أن يبتليه الله تعالى حتى يرقيه .

اذا صدق العبد في سيره الى الله تعالى ورزق المحبة فلا بد له من الابتلاء يبتليه الله تعالى فيسلط عليه الخلق أجمعين .

ففي بداية امره يسلط عليه البعيد ثمّ الصديق ثمّ الحميم ثمّ الاقرب فالاقرب وللمحب الصادق عناية فكلما سلط عليه أنساناً زاده ذلك المتسلط تعرفاً على الله ويناديه الابتلاء، الاّ تبقِ في قلبك الا الله .

ولا يزال يبتليه في اقاربه في امه في ابيه في زوجته في اخيه في صاحبه حتى لا يبقى في قلبه احداً وكلما أتته واحدة نادته الّا تبقِ في قلبك سوى خالقك وهناك مواقف للنفس فانها تقول عندما يتكلّمون عليها ويؤذونها انا ليس كما يقولون وليس عندي ما به يتهمون فتهجرهم وتراهم يخوضون في لعبهم وبهتانهم وكذبهم وترى انها خير منهم فتدخل على صاحبها الرضى عنها فتغلي صدره عليهم بما يتكلّمون وهناك تاتيه عناية الله فتناديه إن هؤلاء الذين تسلطوا عليك هم رسل من عند الله اليك وان الله سلطهم عليك محبة فيك ليفردك وتفرده .

غير أنَّ النفس ماهان عليها مفارقتهم وما طاب لها تذليلها ورجوعها الى خالقها بل تريد ان تبقى معهم يمدحونها وتألفهم، فتقطعك عن مولاك وعن مراتب الإلتجاء إليه، فتبين أن النفس أشد عداء منهم، وهنا تفهم سر الحديث : أعدى أعدائك : نفسُك التي بين جنبيك (5) وتذوق عداوتها فتشتغل في عيوبها، وأما الأعداء الّذين تسلطوا عليك فترجع إليهم بالرحمة والشفقة، إذ نقلوك إلى مرتبة عالية، ومن هنا تعلم بأنه لا صاحب إلاّ الله، وأنه لا سير إلى الله بدون ابتلاء، فكلما عملت عملاً بإخلاص وصدق فانتظر بعده الابتلاء يأتك ممن عملت معه الإحسان، والابتلاء يأتيك امتحاناً فإن ظهرت النفس وقابلته بمثل ما عاملك خسرت الصفقة، وإن كنت من أهل العناية وقابلته باللطف والإحسان بحيث كنت قبل أن يعاملك بهذه المعاملة تنتظر منه هذا العمل فهذه عناية من الله فيك، والابتلاءات ثلاثة :

ابتلاء للاختبار قال تعالى : { ولنبلونّكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم } [محمّد 31] .

وابتلاء للتعريف قال تعالى : { ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين الّذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } [ البقرة 155 ـ 156ـ 157] .

وابتلاء للرقي والمحبة ورد في الحديث : إذا أحب الله عبداً ابتلاه (6) ليسمع صوته ليسمع أنينه، ابتلاك لتعلم من هو المبتلي، ولماذا ابتلاك؟ هل بينك وبينه عداوة؟ مهما كنت فإن الخلق كلّهم عيال الله، فكيف أنت مقبل عليه ثمّ يبتليك هذا الابتلاء؟ فما ابتلاك إلاّ للمحبة والوصول والمعرفة .

 والمبتلى محبوب للحضرة الإلهية، ورد في الحديث أشد الناس بلاءً الأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل (7) فما ابتلاك إلاّ لأنّه أرادك وأراد أن يخلصك من الأغيار والأصنام المعشوقة في قلبك : أصنام الأموال، والزوجة، والأولاد، والأصدقاء، وأصنام الوظيفة، والكرسي، والجاه، والزعامة. .

أصعب الابتلاء هو من أقرب الناس إليك أمّك، أبيك، أخيك .

ما جرت عادة الله إذا كانت درجة الرجل عشرة أن يبتليه مائة .

أهل الله ترقوا بالابتلاء، اين الّذي ترقى بغير الابتلاءات؟ ما رأت عيني شيئاً للإنسان مثل الابتلاءات .

إذا احب الله عبداً ابتلاه (8) لأي شيء؟ ليطهرّه .

ابتلاء الترقي لا يكون إلاّ في اليقظة .

كل من يعمل عملاً له فيه نية حسنة لابدّ أن يبتليه به سبحانه وتعالى، وبعده { وما يلقاها إلاّ الّذي صبروا } [فصلت 35] .

أرجوكم أن تشهدوا المبتلي، وهذا حب منه لكم، فهو يهيّئنا ويعرّفنا ويهذّبنا، فإذا رضينا بتصرفه ترقينا .

الابتلاء مبني على المحبة لا على البغض، وهناك تستعد للرقي وتقول: { ربِّ زدني علما } [ طه 114 ] إذا أراد الحق أن يختار عبداً من عبيده لنفسه لابدّ وأن يبتليه، لهذا ما رأيت ولا سمعت ولا شممت أنّ أحداً وصل بدون ابتلاء أبداً .

إذا مدحك أحد يصير عندك نوع من السرّور، ولكن لابدّ أن يقابلك الله سبحانه بالابتلاء لكي لا تغتر بالمدح، وكل شخص ابتلاؤه على قدر مرتبته، قالوا الامتحان على قدر الإمكان .

الإهانات للمقربين، توصلهم إلى الّذل، لولا الإهانات لم يحصل الّذل، فالّذل يحصل من الإهانات والابتلاءات

 فليـت الّذي بينـي وبينـك عامـرٌ        وبيـني وبـين العالمين خرابُ (9)

جرت عادة الله أنه لا يبتلي إلاّ الصادقين .

الابتلاءات تعطي السعة والرحمة ، الّذي يحبني يصبر، كل الخير بالصبر، والله ما رأيت الخير إلاّ بالصبر .

رأس مالنا الصبر ، الصبر مخالف للنفس، موافق للرب .

الدنيا من أولها إلى آخرها دار ابتلاء فقط {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك 2]. الابن ابتلاء، والأب ابتلاء، والليرات ابتلاء، والمال ابتلاء، والعلم ابتلاء .

إذا كان جارُك عدوَك أطعمه، فهذه الطعمة تقتل العداوة بينك وبينه .

الابتلاء عرّفنا بأنفسنا أننا عبيد، وإذا جاءنا شيء من الكمالات فهي له وليست لنا { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء } [الجمعة 4 ].

إذا عملتم عملاً حسناً والناس تكلّمت عليكم بمعنى أن الحق أراد اختياركم ليحملكم الكمالات الإلهية، أول شيء افهموا أن المبتلي هو الحكيم . الفتح لا يكون إلاّ بعد الابتلاء، ولا يكون قبل الابتلاء، ومقدار الفتح بمقدار الابتلاء، لذا قالوا : الامتحان بقدر الإمكان .

الابتلاءات كلّها دروس خذوها عني وكلّها علم ذوقي، الابتلاءات تطهير، تعليم، ترقّي، تفقره في الصورة ليصبح غنياً بالله .

يا إخوان الّذي عنده دعوة مستورة مقبولة لا يدعُ بها لحبيبه بل يدعو بها لبغيضه لعدوه!! يا شيخ كامل أفندي إذا سامحت من أساء إليك فأنا الكفيل بأن الله سبحانه يعطيك الرضا في قلبك والسعة إذا تكلّم عليك أحد وسبّك اضحك، ابتلاءات الله ليست للإهانة، بل لرفع الهمّة .

إذا سامحت المسيء الله سبحانه يعوضِّك الرحمة والرضا والبركة والسعة .

إذا أراد الله عبداً من عبيده لابدّ وأن يبتليه، ثمّ بعد الابتلاء يمنّ عليه بالتسليم والرضا، ثمّ يشهد الابتلاء من الحضرة الإلهية لا من أحد المخلوقات، ابتلانا بالخير والشر . دار الدنيا والآخرة أنا لا أشهدها غير ابتلاءات .

الطفل الصغير إذا مرض فمرضه تطهير لأمّه إذا صبرت، وإذا جزعت فهو انتقام . الابتلاءات هي كمالاتنا { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها، لنبلوكم أيّكم أحسن عملاً } [ الكهف 7 ] هل نقف مع الأشياء أم مع الله؟.

إذا شتمك وشتمته سهلة، ولكن القوّة إذا شتمك تحسن إليه، هذا عطاء إلهي هذا فضل إلهي .

الّذي لا يريد الابتلاء حضرته لا يريد أن يتطّهر، لا يريد أن يشاهد الأسرار، لا يريد أن يعرف الله .

 الابتلاء روح الدين .

ابتلاء البعيد شيء بسيط، وابتلاء القريب أصعب، مثل الصديق والرفيق .

أقوى سلاح لك على عدوك أن تدعو له بالليل ولا تدع عليه! لأنّك إذا دعوت عليه يعاملك بالشقاوة لا بالسعادة، كذلك ولدك.

ادعُ للّذي يؤذيك، ابكِ له البكاء الحار في خلوتك .

الإنسان لما يبتلى بالكلام ويصبر أولاً تتطّهر نفسه، ثمّ يترقى، ثمّ تأتيه العلوم اللدنية { وقل ربِّ زدني علما} [طه 114 ] صاحب المحاسبة الصادق إذا تكلّم عليه أحد يضحك ويفرح، أما غير الصادق فلن يبتليه الحق! ولا لزوم لذلك .

المؤمن ينبغي أن يكون بصيراً بالأمور كلّها، ولا يكون بصيراً إلاّ بعد الابتلاءات، يُبتَلى ثمّ يُبتَلى ثمّ يُبتَلى إلى أن يكون بصيراً . الابتلاء الذّي يأتينا من زيد من عمرو من بكر يعطينا التوحيد، علامته ندعو له .

لا يمكن لإنسان أن يصل حتى يبتلى من أعزّ أحبابه وأصدقائه، وهذه الابتلاءات يجب أن ننظرها من الخالق والبشر آلة منفذة، فإذا صبرنا وسامحنا وعفونا عن العامل نترقى إلى الله، وإذا غضبنا نخسر الصفقة، وهذه الابتلاءات تطهرّ الإنسان من الخبث والقاذورات الموجودة معنا .

لا يترقّى أحد إلاّ بالابتلاء، ولا أجمل من الابتلاء وأحسن وأكمل وأحلى، لأن الله يريد أن يرقي الشخص، وعندما أمر الله إبليسَ أن يسجد لسيّدنا آدم مراده أن يرقيه، وهذا ابتلاء من الله .

أنا ما رأيت ولياً تولاه الحق بدون ابتلاء أبداً ! ولا فرداً من أفراد الوجود، لا يمكن أبداً.. الرسول صلى الله عليه وسلم جاء ليخرجهم من الظلمات إلى النور رموا عليه الأقذار! وكسروا رباعيته وشجّوا وجهه الشريف! وحكوا عليه كل كلام مُرّ! ومع كل هذا فهو صابر.. الابتلاء ضد النفس، والنفس ما زالت موجودة لن يأتي من صاحبها خير أبداً .

نقول للغضبان يا غضبان كيف هي صلاتك؟ يقول : لا أعرف أصلي! ولا أعرف أحكي! ولا أعرف أسمع! ولا أعرف..! إذن يا استاذ يا غضبان سلّمت زمامك لعدوك وهو إبليس! والحق يقول: { إن الشيطان لكم عدوّ فاتخذوه عدواً } (فاطر6) .

هناك نقطة حساسة جداً! الشيخ عندما يأتيه مريده الصادق لابدّ أن يبتلى كثيراً، افهموها! يخمنّون إذا جاء للشيخ يروح عنه الابتلاء..لا!

وإنما يسهل له، الساقية التي تصرّف الابتلاءات إلى البحر، لا يرفع عنه الابتلاءات، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : إذا أحب الله عبداً ابتلاه (10)لكن للابتلاء نتائج نتقرّب إليه، ونـزداد له محبة، لا نغضب ونسخط!

فذاك الّذي يغضب ويسخط بعيد، ما هو ابتلاء، بل انتقام! فرّقوا بين الابتلاءات والانتقامات، العلامة منكم ما هي من غيركم! إذا ابتلاكم الحق بشيء إما أن تسخطوا وتغضبوا، وإما أن تصبروا وتسلّموا وترضوا، فإن سخطتم أو غضبتم فهذا انتقام، لما الحق يبتليكم ابتلاءً فأول درجة الصبر {وما يلقّاها إلاّ الّذين صبروا } [فصلت 35] بمجرد ما عرفتموه ابتلاءً فلابدّ أن تصبروا، لأنّكم تعلمون بأن الله حكيم، والحكيم يضع الأشياء في محلها، فإذا ابتلاكم وصبرتم، فبعد الصبر بشيء قليل جاءكم الفتح! جاءكم الصفاء! ثمّ الحق يبتليك بابتلاء آخر فتسلّم، بعد التسليم وإلاّ جاء فتح أكبر من الأول! ثمّ يأتيك ابتلاء ثالث! الابتلاء الثالث يعطيك رضىً {رضي الله عنه ورضوا عنه} (البينة 8) فهذا تأهّل للكمالات، وتهيأ للرقيّ، وبعد الرقي {وقل ربِّ زدني علم} [طه 114 ] .

لما الحق يبتليكم بشيء اصبروا، خمس دقائق، عشر دقائق شيئاً قليلاً..فما ترون إلاّ وقد جاءكم الخير العظيم! الإنسان لما يعمل عملا خيراً لا يمكن إلاّ أن يبتلى لأجل ذلك يقول العوام : خيراً لا تعمل، شراً لا تلاقي , ما أجهلهم في الله! لا , لما تعملون خيراً ونية حسنة يعطيكم عليها ثواباً، لكنه يحب أن يزيدكم، لأنّه أرحم الراحمين، يبتليكم حتى يطهرّكم حتى يرقّيكم حتى يعطيكم حتى يجعلكم خلفاء له سبحانه وتعالى! فإذا عملتم عملاً حسناً صحيحاً بنية صحيحة لابدّ أن يجيئكم ابتلاء مقابله، تصبرون وهذا الصبر يطهرّكم.. أولادي خذوها قاعدة هكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم والورّاث كلّهم أخذوا هذه الصفة الأولى وهي إذا عاداكم أحد أدعوا له لا تدعوا عليه، إيّاكم أن تدعوا عليه! إيّاكم مهما كان، يردّه الله تعالى {إن الله على كل شيء قدير } [البقرة 20 ] ليس من المعقول أن تتوسل إلى الله له فتكون كريماً والله ليس بكريم! الله أكرم الأكرمين، الله لا يغار إلاّ من الكريم، لما تكرم وتعطي الفقراء يقول لك : عبدي أنت كريم؟ وأنا أكرم منك، يعطيك الحسنة بعشرة وبسبعين وبسبعمائة ويغفر لك ذنوباً لا يعلمها إلاّ الله ويعلّمك ويهذبك ويرضّيك ويبارك لك! فهذا طريق السعادة، إيّاكم ثمّ إيّاكم أحد يدعو على أحد، إيّاك مهما آذاك، أليس مرادك أن يصير مليحاً معك؟ أم مرادك أن يزداد عليك؟ فإذا دعوت عليه يصير شقياً، ولما يشقى يعاملك معاملة الشقاوة، وإذا يسعد يعاملك معاملة السعداء، ما أجملها وما أكملها وما أحسن هذا!!.

إذا أعطاك الله ما تريد فما معناها؟ معناها أن الله طردك من رحمته!! هذا معناها! الآن إذا طلب مني أحد قضايا أنا أعرفها تضره فهل أنا مجنون حتى أعطيها له!؟ لا أعطيه إياها، أحاول..حتى يدرك، يصير عنده نور وتمييز فلا يعود ليطلب مني! يقول الله يجزيك عني الخير يا شيخي! لو كنتَ أعطيتني لكان كذا.!

المريض يصدق مع الطبيب، كثير من المرضى يجيء إلى الطبيب فيجعل حاله هو الطبيب! اسكت! أنت مريض، أنت ضعيف، لا تفهم حالك حتى تعرف غيرك، أنت اسمك مريض وأنا اسمي طبيب... كلما عملت بإخلاص وصدق فانتظر بعده الابتلاء من الّذي عملتَ معه الإحسان ! فلابدّ أن يأتيك الابتلاء، فإما أن يأتيك امتحاناً فإن ظهرتَ وقابلتَه بمثل ما عاملك به خسرتَ الصفقة، وإن كنتَ من أهل العناية قابلتَه باللطف والإحسان وكنتَ قبل ذلك تنتظر ذلك الابتلاء، فهذه مسألة يجب أن تحفظ .

ميزان المدح والذّم

إذا كان هذا يمدحك وذاك يذمك، فمالك للمادح والذام، لا ترَ مادحاً ولا ذاماً بل عليك أن تتعرض لأعمالك وأحوالك فتصلحها.

ربما جاءك انسان ومدحك في شيء ما، فإن كان ما مدحك به موجوداً معك فلا تغتر بمدحه لك أو تنسب ذلك العمل لنفسك بل ذلك فضل الله أجراه على يدك، فإن نسبته لنفسك سلبه إيّاك، وإن شهدته من فضله تعالى البسه إيّاك وزادك منه وأدامه عليك {لئن شكرتم لازيدنكم } [ إبراهيم 7 ] .

أما إذا مُدِحت بشيء ولم يكن موجوداً معك فسارع وحقق ذلك الشيء الذي نسب اليك، واستحِ من الله أن توصف برتبة لم تكن معك . وإن جاءك أحد وذمّك بشيء فإن كان العمل موجوداً فيك فهو نذير من الله إليك، فاهجر العمل واقطعه فوراً وإن لم يكن واقعاً منك فحذرّ نفسك من الوقوع بمثله، فإن الناس بالمرصاد ثمّ ادع له سواء كان ذامّاً أو مادحاً لأنّه نفعك

(1) : فيض القدير: 1/ 73، شعب الإيمان برقم (10087) 7/ 222.

(2) : ذكر العجلوني في كشف الخفاء 2/ 171عن الامام القاري قال ( قال النجم ذكر ابن عربي في الفتوحات أنها مدرجة في الخبر ولفظه عن بريدة قال دخل قوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا جئنا نسلم على رسول الله ونتفقه في الدين ونسأله عن بدء هذا الأمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الله ولا شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثمّ خلق سبع سموات قال ثمّ أتاني آت هذه ناقتك قد ذهبت فخرجت والسرّاب يتقطع دونها فلوددت أني كنت تركتها ورواه أحمد والبخاري والترمذي وغيرهم عن عمران بن حصين قال قال يا رسول الله أخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان قال كان الله قبل كل شيء وكان عرشه على الماء وكتب في اللوح المحفوظ ذكر كل شيء وخلق السموات والأرض فنادى مناد ذهبت ناقتك يا ابن الحصين فانطلقت فاذا هي تقطع دونها السرّاب فوالله لوددت اني كنت تركتها انتهى وينظر: فتح الباري: 6/289.

(3) شعب الإيمان للبيهقي برقم (9786) 7/ 145.

(4) سنن الترمذي برقم (2398) 4/ 601. قال أبو عيس حديث حسن صحيح.

(5) : أخرجه البيهقي في الزهد الكبير بأسناد ضعيف وله شواهد من حديث أنس برقم (343) 2/ 157 ،

(6) شعب الإيمان للبيهقي برقم (9786) 7/ 145.

(7) سنن الترمذي برقم (2398) 4/ 601. قال أبو عيس حديث حسن صحيح.

(8) شعب الإيمان للبيهقي برقم (9786) 7/ 145.

(9) : من قصيدة منسوبة لأبي فراس الحمداني، انظر البداية والنهاية لابن كثير 11/279.

(10) شعب الإيمان للبيهقي برقم (9786) 7/