اهتمام السيد النبهان رضي الله عنه بالنساء
الإسلام دين الرجل والمرأة على السواء، يكفل للمرأة سعادة وكرامة أبدية كما هي للرجل، وإنّ مسلمة اليوم ليخفق قلبها حين تسمع أو تقرأ عن عالم الصحابيات، فتجد نفسها حائرة ضائعة في مجتمعات غافلة تصور لها الإسلام جحيماً أو سجناً، وتفتح لها أبواب مدنية لا تعيب عيباً ولا تحرّم حراماً، وربما ترغم أحياناً على اتّباع تلك المدنية، ولم يكن رضي الله عنه ليهمل نصف المجتمع، بل أعطى الشطر أهميته، امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واقتداءً به، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال النساء للنبي صلى الله عليه وسلم : غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوماً من نفسك، فوعدهنّ يوماً لقيهنّ فيه، فوعظهنّ وأمرهنّ فجعل رضي الله عنه لهنّ درسين في المسجد صبيحتي السبت والأربعاء، ودرساً للمعلّمات قبل فريضة الجمعة، يحضرن دروسه محجبات من رؤوسهنّ إلى أقدامهنّ، فإذا ألقى درسه قرّب محارمه وذويه، ولا يسمح باستصحاب الصبية الذكور إذا تجاوزت أعمارهم ست سنوات، ولا لحاسرات الرأس في سن السادسة، بل كانت الأخوات إذا أحضرن معهن بناتهن الصغيرات وضعن لهن الحجاب فوق رؤوسهن وإن كن دون ذلك لينشأن وهن محبات للحجاب.
حدثنا الشيخ عمر الملا حفجي وهو أحد أصحابه المقرّبين قال : سألت سيّدنا رضي الله عنه : سيّدي أسألك بالله وبسيّدنا محمد رسول الله! هل أنت مأذون بدرس النساء من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأجابني رضي الله عنه: (ويلك يا جذّوبة والله أنا مأمور به أمراً من رسول الله r
إلاّ أنّه لم يسمح لأحد بتدريس النساء على الإطلاق! ولم يتخلف رضي الله عنه يوماً عن درس النساء، ولم يوكّل أحداً فيه من أتباعه أو أصحابه؛ لخوفه عليه من الميل! وقد وجدنا له رضي الله عنه في درس مسجل ما نصّه: (أنا ماأعطيت ثقة إلى الآن لأحد لا من الرجال ولا من النساء! حتى يبقى ببالكن لا يروح يكذب عليكن احد ، يقول لكُنّ الشيخ أعطى.. لا يا بناتي! أنا ما أعطيت شيئاً لأحد ألبتّة ).
وثمـّة بيت أعدّه للنساء الزاهدات المنقطعات إلى الله، اللّواتي تركن بيوت المدنية عند أهلهنّ، أو رغبن بالعزلة عن الناس، ولجأن مجتمعات إلى بيت واحد قريب من المسجد، يعملن بالتعليم أو بالخياطة، ويأكلن الحلال من أتعابهنّ، ويحضرن الدروس.
وافتتح للبنات مدرسة بقسمين: قسم مهني مدته سنتان أكثر دروسه مهنية، ومعه مهمات الدراسة الشرعية، وقسم شرعي فيه مناهج الإعداديات والثانويات الشرعية مع شيء من الدروس المهنية، ولا تزال قائمة تعتني بتعليم الدين واللغة وإدارة الأسرة، وحظيت بتربيته آلاف النسوة، على مدى أكثر من ثلاثين سنة، إذا رأيتهنّ بالحجاب الكامل غاديات آيبات قلت : هذا هو الدين وهذا هو الشرف والحياء، ونعم الشيخ المربي .
ولم ينس رضي الله عنه الناشئة
وباشر رضي الله عنه بفتح خمس رياض للأطفال، بعد أن ربّى معلّمات تقيات، يغرسن في الأطفال العقيدة والفضيلة، وسيّدنا رضي الله عنه يحب الطفل الحرك اللعوب لا الخامل البسيط ويقول: الطفل كامل وسلوكه اللعب، ويحبّذ الأسماء التي يحبها الله ورسوله، ولا يرضى بالتسميات المدنية والجاهلية، ويطالب الآباء ألاّ يرغموا أبناءهم، على غير وجهاتهم، فمن كانت وجهته إلى الصناعة أو الزراعة لا يُلزَم بدخول مدارس الشرع مثلاً، قال تعالى لِكِلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيْهَاْ { [ البقرة 148 ] .
وهو رضي الله عنه يتواضع للأطفال ويداعبهم فمن ذلك:
ما حدثنا به الحاج شعبان خلف أحد وكلائه في الزراعة قال: زارنا سيّدنا رضي الله عنه في القرية، ولما كانت الصلاة اغتنمت ابنتي الصغيرة عائشة سجوده رضي الله عنه فصعدت على ظهره وتناولت الحلوى من خزانة في الحائط، فلم يرفع رأسه عن السجود حتى نـزلت، وكررت صنيعها في الركعة الثانية وهو مسرور بفعلها..
حدثنا الشيخ حمزة عباس مهنّا قال: صحبته رضي الله عنه في دعوة عند إخواننا بحلب فحضرت لديه طفلة عمرها أربع سنوات، قرأت الفاتحة وأنشدت في محبته شعراً، فلما فرغت دنت لتقبّل يده فأبى، وقال: أنا لا أصافح النساء . قالت: أنا أمي جعلتني صبياً، قال رضي الله عنه: (أنتِ صبية)..
3- وحدثنا الأستاذ حسان فرفوطي رحمه الله قال: كنا عند بعض أحباب سيّدنا رضي الله عنه فجاءت طفلة في الرابعة أو الثالثة تريد أن تقبّل يده، فلم يعطها يده، فاستغربت ذلك؛ فلمسها في الشرع لا ينقض الوضوء لأنّها لا تشتهى طبعا، ولم أتكلم، فالتفت إلي رضي الله عنه وقال لي: يا حسان، إذا أعطيتها يدي لتقبلها يصل الخبر إلى الناس على وجهه وربما قالوا: قبلت يده صبية.
طفل تربى عنده فرآه أبوه مشمّراً ليتوضأ، فقال له: أتريد أن تكون لنا من المصلين!؟ قال: أنت تارك للصلاة، وتارك الصلاة ملعون، فهل تريدني أن أكون مثلك!؟ فتاب الوالد، وأصبح من المصلين..وبعث إلى سيّدنا رضي الله عنه يشكره على حسن رعايته لولده..
5- حدثنا الشيخ عثمان عمر الويسي: أن الحاج أحمد مسعود قال لطفلته الصغيرة ولم تتجاوز في حينها السابعة من عمرها قبّلي يد سيّدنا، فلما أرادت تقبيل يده لم يعطها يده رضي الله عنه وقال لها: لا، حتى تصيري صبيا, وهذا من باب التربية والقدوة، لا من باب الحلال والحرام.
6- حدثنا الحاج علي ناصر عبد الحميد الناصر أحد المتخرجين في دار نهضة العلوم الشرعية في حلب قال صحبت أخي الدكتور نوفل يوم كان يتلقى درسا خاصا به وبعض أصدقائه عند سيّدنا رضي الله عنه فغلبني النوم فما كان منه رضي الله عنه إلا أن نهض فخلع جبته وبسطها على الأرض ثمّ دثرني بها فصحوت ولكنني حينما وجدت نفسي في جبته تظاهرت بالنوم تبركا بها.
7- قال رضي الله عنه : ( أنا سابقت ابن الحاج فوزي شمسي، لن ينسى هذا الطفل أنه سابق الشيخ محمّد النّبهان ), فكان الغرض من المسابقة التنـزل لعقل الصغير وربطه به).