آخر المواضيع
اخترنا لكم




  الرئيسية    العالم الإسلامي   أبحاث
الشورى نظام رباني



مرات القراءة:2839    
أرسل إلى صديق
أبلغ عن مشكلة في هذه المادة

الشورى نظام رباني

 

بقلم الأستاذ الدكتور : محمود فجال

 

 بسم الله الرحمن الرحيم

  مقدمة

 

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله الطاهرين وأصحابه الغر الميامين .

وبعد فقد جاءت الشريعة الإسلامية مقررة لمبدإ الشورى ، ولا يقوم نظام الإسلام على أساسٍ سواه ، وقد جاءت وحياً منزلاً على رسوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة ، وعمل سلف الأمة .

والشورى واجب شرعي في كتاب الله – جل وعلا – ولكن لا يمكن أن نطبقها في مجتمعاتنا إلا إذا طبقنا الإسلام كله ؛ لأن الشورى لبنة من لبنات الإسلام العظيمة ، ولا بدّ من اجتماع لبنات الإسلام متراصة محكمة ، بإعطاء كل لبنة حقها في مكانها ، وفي موضعها ، ليكتمل البناء .

فالشورى لبنة من الإسلام ، وجزء منه ، ولا يمكن تطبيق جزء من الإسلام ، وترك جزء آخر ، والله – جل وعلا – قال : ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) ([1]) ، وقد أمر الله – جل وعلا – نبيّه بالشورى فقال : ( وشاورهم في الأمر  ) ([2]) .

والرسول صلى الله عليه وسلم كان يوحى إليه ، فهو يستطيع أن ينفرد بالسلطة ؛ لأنه ليس بحاجة إلى آراء البشر ، فالله – تعالى – كان يعلمه أحكام الدين والدنيا ، وهو – عليه الصلاة والسلام – يُعَلِّمُ أمته أحكامَ دينهم ودنياهم من دون أن يزيد أو ينقص شيئاً ، لأنه الأمينُ المأمونُ ، ولكنّ الله – جل وعلا – أراد أن يقرِّرَ نبيُّه صلى الله عليه وسلم على المسلمين هذا المبدأ مبتدئاً به لتتعلمَه أمَّتُه ، ولا تستنكف عنه فقال : ( وشاورهم ) وذلك يعني بالبداهة أن يتشاور المسلمون في أمور حياتهم مادام النبي صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه – رضوان الله عليهم – فهم يطبقون هذا المبدأ من بابٍ أولى ؛ لذا جاء التنزيل واصفاً المسلمين فقال : ( وأمرهم شورى بينهم ) [ الشورى : 38 ] ، أي : لا ينفردون برأي حتى يتشاوروا ويجتمعوا عليه ، وذلك من فرط تدبّرهم وتيقظهم وصدق تآخيهم في إيمانهم وتحابهم في الله – تعالى - ([3]).

 فالشورى إذاً من أسس الإسلام الاجتماعية والسياسية .

وسأتكلم عن تعريف الشورى ، ثم حكمها ، ثم أدلتها ، ثم أوضح من هم الذين يستشارون ، ثم أجلي الغرض من الشورى ثم الخاتمة .

  التعريف بالشورى :

 

 

الشورى لغة :

 

الشورى هي التشاور ، يقال : شاورتُه في كذا ، واستشرتُهُ . وهي من ( شار العسلَ يشوره شوْراً ) أي : استخرجه من الخلية . وتشاوَرَ القومُ ، واشْتَوَرُوا .

و ( الشُّورى ) اسمٌ منه . والمَشُورَة ، والمَشْوَرَة : ما يُنْصَحُ به من رأي وغيره ([4]) .

 

الشورى عرفاً :

استطلاع الرأي من ذوي الخبرة فيه للتوصل إلى أقرب الأمور للحق ([5]) .

وميدان الشورى فيما لا نصّ فيه من الله – جل وعلا – ورسوله صلى الله عليه وسلم .

 

حكم الشورى :

الوجوب والإلزام على الأمة جمعاء من الراعي والرعية ، لا يعلو أحد عليها ؛ لأن الشورى التزام شرعي يدخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

وهي حقٌّ لله – جل وعلا – لا يجوز التنازل عنه .

 أدلة الشورى :

 

لقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم الشورى تعليماً للأمة ، وترسيخاً لهذا المبدإ ، وتمهيداً لسنة المشاورة بين الأمة .

وقد ثبتت مشاورته صلى الله عليه وسلم لأصحابه - رضوان الله عليهم - في أمور كثيرة ، نذكر منها :

    1 - شاورهم يوم بدر في الذهاب إلى العِير ([6]) .

    2 - شاورهم أيضاً أين يكون المنْزل حتى أشار المنذرُ بنُ عمروٍ بالتقدم أمام القوم .

    3 - شاورهم يوم أُحُد في أن يقعد في المدينة ، أو يخرج إلى العدوّ . فأشار جمهورهم بالخروج إليهم فخرج إليهم .

    4 - شاورهم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذٍ ، فأبى ذلك عليه السعدان : سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة ، فترك ذلك .

    5 - شاورهم يوم الحُدَيْبِيَة في أن يميل في ذراريّ المشركين ، فقال له الصديق : إنا لم نجئ لقتال أحدٍ ، وإنما جئنا معتمرين ، فأجابه إلى ذلك ([7]) .

    6 - قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمرَ » لو اجتمعتُما في مشورة ما خالفتكما « ([8]) .

    7 - قال أبو هـريرة : » ما رأيـتُ أحـداً أكثـرَ مشُورةً لأصحابِهِ من رسول الله صلى الله عليه وسلم « ([9]).

وكانت الشورى بين الصحابة - رضوان الله عليهم - فمن ذلك قول عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه : » الخلافةُ شورى بين هؤلاء الستة الذين تُوُفِّيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض « ([10]) .

أهل الشورى :

هم أهل الحل والعقد . هذا على الجملة ، وأفصل فأذكر منهم ما يلي :

    1 - وجوه الناس ، وأولو الأمر والمكانة الذين هم موضع الثقة ، من سواد الناس الأعظم ، من أهل العلم والسياسة الشرعية ، والإدارة ، والمال ، الذين لهم خدمات للمجتمع ، وتضحيات ، وبصيرة نافذة ، وفراسة صائبة .

     2 - كبار فقهاء الشريعة الذين يملكون القدرة على استنباط الأحكام للوقائع وفقاً لما يتفق والأصول العامة للشريعة الإسلامية ، ووقفوا على روح الشريعة وأسرارها .

     3 - كبار القضاة ، الذين خبروا الحياة والناس ، وتوجهوا لحل مشكلات الناس بحكمة ودقة في ضوء الكتاب والسنة ، وفقه سلف الأمة .

     4 - عظماءُ القادةِ المدربين الذين قرؤوا التاريخ القديم والحديث ، وخبروا الناس على اختلاف طبقاتهم ومللهم ، وعرفوا الدول وطبائعهم .

    5 - الأُمَناءُ ، والقرّاء - وهم العلماء - ، قال البخاري ([11]) : » وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناءَ من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها ، فإذا وضح الكِتَابُ أو السنة لم يَتَعَدَّوهُ إلى غيره اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم ... وكان القراء أصحابَ مشورةِ عمرَ كهولاً كانوا أو شُباناً ، وكان وقّافاً عند كتاب الله - عز وجلَّ - «  .

ومعلوم أن المستشار محاسبٌ أمام الله - تعالى - والناسِ في مَشُورَتِهِ ؛ لذلك يستشار الأمناء . قال النبي صلى الله عليه وسلم » المستشار مؤتمن « ([12]) .

 الغرض من الشورى :

    1 - تمحيص الآراء واستكشافها من أجل التوصل على أفضل الحلول والصيغ .

    2 - ضمان الحفاظ على المصالح العامة ، وعدم ضياع حقوق الناس إذا طبقت بشكل كامل .

    3 - تحقيق العدل والإنصاف بين الناس .

    4 - قدرة هذا المنهج على امتصاص النزاعات ، واحتواء الأزمات التي قد تحصل بسبب اختلاف الآراء أو تعارضها .

    5 - استثمار الطاقات واستيعابها وإدارتها بشكل متميز وناجح ، فتنموا ملكة الإبداع والابتكار .

    6 - الاستمرار والتطور ، لأن الشورى تمثل المجموع . لذا تحدد المسؤوليات وفق واقعية الكفاءات .

 

الخاتمة

الشورى من مستلزماتِ الفطرةِ ، ومن سُنَنِ استقرار المجتمع ، وهي ليست هدفاً في حدّ ذاتها ، بل شرعتْ في الإسلام لتحقيق العدلِ ، والإنصافِ بين الناس ، وتنفيذِ مقاصدِ الشريعةِ ؛ لذا فهي فرعٌ من فروع الشريعة وتابعةُ لها ، وخاضعةُ لمبادِئِها .

وقد لاحظنا أنها وردت في سياق الحديث عن الجماعة في آيتين كريمتين تُلزم الأولى وليَ الأمر بالمشورةِ ( وشَاوِرْهُمْ في الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِيْنَ ) ([13]) ، وتُلزم الثانيةُ جماعةَ المسلمين بالشورى ( وأَمرُهم شُورى بينهم ) ([14]) .

وعلى إمام المسلمين أن يقرِّب إليه بطانة صالحة ليكونوا أهل شورته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : » ما بَعَثَ الله من نبي ، ولا استخلف من خليفةٍ إلا كانت له بطانتان : بطانةٌ تأمره بالمعـروف وتحضه عليه ، وبطانة تأمره بالشـرِّ وتحضُّهُ عليه ، فالمعصـوم من عَصَمَ الله - تعالى - « ([15]) .

وإذا فشا الخيرُ في الأمراء ، وسادتِ السماحةُ في الأغنياء ، وحُكِّمت الشورى في الحياة سَعِدَتِ النَّاسُ في الدارين ، واستحقوا الحياةَ ، والعيشَ الرغدَ ، والعكسُ بالعكسِ .

قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : » إذا كان أمراؤُكُمْ خيارَكمْ ، وأغنياؤُكُم سُمَحَاءَكُم ، وأُمُورُكُم شُورى بينكم ، فظهرُ الأرضِ خيرٌ لكم من بطنِها . وإذا كان أمراؤُكُم شرارَكُم ، وأَغْنِياؤُكُم بُخَلاءَكُمْ ، وأُمُورُكُم إلى نِسَائِكُم فبطنُ الأرضِ خيرٌ لكم من ظهرِها « ([16]) .

 

 هذا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

 

([1]) البقرة : 85  .

([2]) آل عمران : 159 .

([3]) انظر تفسير القاسمي ( 14 : 217 ) .

([4]) انظر " المصباح المنير " و " لسان العرب " و " المعجم الوجيز " مادة ( شور ) .

([5]) انظر " الشورى في ظل نظام الحكم في الإسلام " لعبد الرحمن عبد الخالق .

([6]) انظر صحيح مسلم في ( كتاب الجهاد ) حديث 83 ، وسيرة ابن هشام ( 2 : 226 ) .

([7]) انظر تفسير القاسمي ( 4 : 276 - 279 ) .

([8]) أخرجه أحمد في مسنده برقم 17994 ( 29 : 518 ) من حديث عبد الرحمن بن غنم الأشعري .

([9]) أخرجه " الترمذي " في " سننه " في ( كتاب الجهاد ) ( 4 : 186 ) .

([10])  أخرجه " مسلم " في " صحيحه " في ( كتاب المساجد ) ( 1 : 396 ) .

([11]) في " صحيحه " في ( كتاب الاعتصام ) في ترجمة له . انظر " فتح الباري " ( 13 : 339 ) .

([12]) أخرجه أبو داود في " سننه " في ( كتاب الأدب - باب في المشورة ) من حديث أبي هريرة ( 5 : 345 ) .

([13]) آل عمران : 159 .

([14]) الشورى : 38 .

([15]) أخرجه " البخاري " في " صحيحه " في ( كتاب الأحكام - باب بطانة الإمام وأهل مشورته ) من حديث " أبي سعيد الخدري t " . انظر " فتح الباري " ( 13 : 189 ) .

([16]) أخرجـه " الترمذي " في " سننه " في ( كتاب الفتن ) ( 4 : 459 ) من حديث " أبي هريرة رضي الله عنه " .