آخر المواضيع
اخترنا لكم




  الرئيسية    العالم الإسلامي   فلسطين المحتلة
الأقصى في ضمير عندليب وليلى



مرات القراءة:2495    
أرسل إلى صديق
أبلغ عن مشكلة في هذه المادة

 

الأقصى في ضمير  عندليب وليلى

بقلم الدكتور صهيب السقار

 

إن من أوجب الواجبات على كل مسلم في هذه الأيام أن يفقه أبعاد محاولات تخريب الأقصى، من أوجب الواجبات على كل مسلم أن يجدد في قلبه ووجدانه تقديس مدينة المقدسات، وأرض النبوات، وبلد الإسراء والمعراج.

في هذه الأيام التي يتعرض المسجد الإسلامي المعظم للخطر المؤكد، بما يقع تحته من حفريات مستمرة تهدف إلى إزالته وإقامة هيكل اليهود المزعوم على أنقاضه.

كثير من المسلمين اليوم أقعده الهوان واستسلم للفشل والهزيمة. ولم يعلم أن مثل هذا الضعف والهوان مرت به الأمة من قبل. وقعت الأمة من قبل بين غزوات الصليبيين من الغرب وهجمات التتار من الشرق، ومرت بمثل ما تمر به اليوم من استضعاف وتمزيق وصارت ممالك وأمارات ودويلات. وبقي المسجد الأقصى أسيراً في أيدى الصليبيين تسعين عاما كاملة. ثم هيأ الله رجالاً وحدوا آمال الأمة على أمل استرجاع الأقصى فجعلوا مسرى محمد صلى الله عليه وسلم قبلة أنظارهم ومحراب قلوبهم، فكتب الله تبارك وتعالى صلاح الدين وعماد الدين ونور الدين وسيف الدين في أسماء الفاتحين الخالدين.

هذه تجربة صلاح الدين تشهد أن الأمة إذا تكالب عليها الأعداء من الخارج وتمزقت في الداخل فلا مخرج لها من ذلك إلا بالنظر إلى الأقصى.

لما وحد صلاح الدين الأمة لتحرير الأقصى بارك الله تبارك وتعالى في جهود الأمة فلم تحقق هدفها في تحرير مسرى نبيها فحسب، بل رد الله الصليبين على أعقابهم لم ينالوا خيراً ودخل التتار في دين الله أفواجاً.وخرجت الأمة من نيران الفتنة كما يخرج الذهب من النار، أشد صفاء وأكثر لمعاناً.

يجب أن نتعلم من هذه التجربة أن نورث أولادنا حب الأقصى وأن نملأ قلوبهم رغبة في تحريره، وأن نشغل أحلامهم  بالصلاة فوق ترابه. هذا صلاح الدين الذي سطر الأمجاد يعلمنا أن نجعل الأقصى إرث الأولاد. كتب صلاح الدين إلى الصليبين في القدس كتابا قال فيه: (القدس إرثنا منه عرج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء ، ولن نتخلى عنها أبداً، والجهاد فيها ماض إلى يوم القيامة) ونسخ نسخة من هذا الكتاب وجعلها في خزانته وقال هذه إرث أولادي من بعدي.

كثير من المسلمين ينظر إلى واقع الأقصى الأسير فلا يرى إلا الاستضعاف والهوان والخذلان. كثير من المسلمين تسوَدّ الدنيا في وجوههم فيقسمون المسلمين في هذا العصر إلى ثلاثة أجيال جيل عاصر احتلال الأقصى فحكم عليه بالفشل والتفريط، ومن بعدهم جيل ولد في الاحتلال فحكم عليه بالذل والهوان والرغبة بالسلام. وجيل من بعدهم ولد في عصر التطبيع ومفاوضات السلام وهذا الجيل هو الجيل الذي حكم عليه بأقسى الأحكام، جيل الفضائيات والشبكات، جيل السفور وتمزيق الحجاب.

فماذا قدمت يا من تتصدى للحكم والجرح والتعديل، وهل يتغافل عن الأمجاد التي سطرتها أمة محمد في هذا العصر إلا متخاذل لا ينظر إلى أبعد من أنفه.

متى ينتهي هذا الحكم على الأمة بالهوان والذلة. وكيف يستقيم هذا الحكم مع قول ربك تبارك وتعالى: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون) متى يستأنف المسلمون الحكم الذي أصدروه بتأبيد الهزيمة واستحالة النصر؟

في هذا العصر يجب أن تطوى ثقافة الهزيمة والتسليم بحتمية الفشل. هذا العصر الذي تجدد فيه طرح مزايدة علنية على الورى عنوانها (إن الله اشترى). أول من سطر اسمه في الفائزين ببيع الله ووعده سمية أم عمار رضي الله عنها، وفاز حمزة بتسجيل اسمه لما سبق فكان سيد الشهداء ومن بعد ذلك تتابعت قوافل الشهداء في قوم خصهم الله تبارك وتعالى بشرف صحبة نبيه ومنزلة الشهادة في سبيله. فهل نفذ الخير في هذه الأمة المباركة المرحومة بسبق السابقين؟ أم ترك الله تبارك وتعالى للاحقين ميداناً في السبق ما كان معروفاً فيهم ليكرمنا بالسبق فيها.

بقي في المزايدة العلنية حقل فارغ ينتظر تسجيل اسم أول استشهادية من بنات حواء عليها السلام. وتتسابق في هذا العصر المتدينات المحجبات لتسطر إحداهن اسمها في ديوان الأوائل.

ويريد الله تبارك وتعالى أن تسبق فتاة غير محجبة من جيل الفضائيات والشبكات. ليعلم كل منبت ضيق الأفق أن الخير في هذه الأمة لا يفنى وليعلم كل مسلم مصداق قول محمد صلى الله عليه وسلم في أمته: (مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أو آخره)

وفاء بنت إدريس" التي ودعت أمها وصديقاتها، افتقدوها وانتظروها الليل كله ولما أشرق الصباح فهموا آخر كلمات سمعوها منها لما قالت: سأقوم بعمل يرفع رؤوسكم.

فرفعت رؤوسهم وأفهمت كل عاقل معنى قول محمد صلى الله عليه وسلم (إنما أنا قاسم والله يعطي ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله)

يريد الله تبارك وتعالى أن يقطع دابر كل من ختم على الأمة بالهلاك وأن يحقق بفوز وفاء وسبقها معنى قول محمد صلى الله عليه وسلم: (من قال هلك الناس فهو أهلكهم) و(من قال هلك الناس فهو أهلكهم). ما مات من هذه الأمة إلا من أماتها في نفسه لما استسلم لعجزه وفشله. ما مات من هذه الأمة إلا من أماتها في ولده لما أهمل تربية أولاده.  ما مات من هذه الأمة إلا معلم جعل التعليم كسبا ومهنة.

ما مات من هذه الأمة إلا من لم يقدم كلمة ولا همسة في الدفاع عن مسرى نبيه. أما الأمة فحسبها في هذا العصر أنها أذنت للمحامية هنادي بالدفاع عن مسرى نبيها على طريقتها. هنادي التي درست الحقوق وهي تحلم بيوم ترتدي فيه حلية المحامي وتترافع فيه أمام المحكمة عن المستضعفين والمظلومين. أكملت دراستها  العليا والتحقت بالتدريب على المحاماة لمدة تزيد على عامين، لكنها لم تجد محكمة مختصة يمكن أن يرضي طموحها، لم تجد محكمة تستحق أن تتشرف بترافعها أمامها، لم تجد محكمة تستوعب نوع الدفاع الذي تحضره فقررت أن تترافع بروحها وجسدها أمام محكمة الله العليا التي كتب فيها قوله (ولو ترى إذا وقفوا على ربهم)

قدمت هنادي الروح مع الجسد في مستندات الدعوى في أشرف دروس المحاماة عن الظلم وسفك الدماء،. وسوف تقف بين يدي أحكم الحاكمين مدعية على الغاصبين الظالمين وشاهدة على المستسلمين المخذلين. وشافعة لأهلها الصابرين المرابطين

كيف يحكم على أمة بالهوان وفيها أم تودع طفليها عند أعمامهم ثم تنطلق على عكازين لتجود بروحها عن مسرى نبيك محمد صلى الله عليه وسلم؟

من يحكم على جميع هذه الأمة بالغثاء فليصحح موزاينه، فهذه عندليب التي لا يزيد وزنها على أربعين كيلا ولم تبلغ عشرين عاما، ألقت نظرة على إخوتها وهم نيام ثم قالت لوالدتها "سيأتي اليوم أناس لخطبتي فأحسني استقبالهم". ولم تفهم أمها مرادها إلا بعدما علمت أن ابنتها النحيلة جرحت أربعين من الغاصبين المحتلين، وقتلت ثمانية منهم وأنزلت الرعب فيهم أجمعين.

من يطلق الألقاب على هذا الجيل فليبحث عن لقب يصدق على نفسه لما نسي ما قدم جيل السلام والتطبيع للأقصى.  لا نكاد نذكر دارين ولا ليلى. ولو أن واحدة منهن كانت في القرون الأولى لسطروا تضحيتها مع أمجاد الخنساء وعفراء.

دارين التي تتجهز لهدفها، كانت في وقت الغداء في أسعد أحوالها تمتدح طبخ أمها وتستعذب طعمه ورائحته. وفي المساء أكملت ختم القرآن ثم خرجت من منزلها، فافتقدها أهلها واضطربوا لتأخرها، وعند الساعة العاشرة مساء تتصل بهم لتقول كلمات معدودات (لا تقلقوا علي، لا تخافوا وتوكلوا على الله وفي الصباح سأفسر لكم وأشرح لكم)

وفي الصباح ما فسرت وشرحت لأهلها فقط بل شرحت لكل من يفهم الشرح والتفسير. شرحت جوابا عن سؤال الملائكة لربهم لما قالوا (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) شرح وجواب عملي من وحي قول ربها (قال إني أعلم ما لا تعلمون)

علمت الملائكة أنه سيظهر في الأرض من يفسد فيها ويسفك الدماء من بني البشر، وعلم الله تبارك وتعالى ما لا يعلمون، علم سبحانه أنه سيظهر في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من لا يثنيهم سفك الدماء وفساد الأرض، علم الله تبارك وتعالى أنه سيظهر في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فتيات ولدن في زمن الاحتلال والتطبيع والاستسلام. فتيات كالقوارير لا تعوزهم عاطفة ولا رقة ولا أنوثة، لم يستسلموا لما رميت به أمتهم من هوان، لم تقعدهم عاطفة الأمومة ولا فطرة الأنوثة، فتيات تستحق كل واحدة منهن أن يقترن ذكر عفراء بذكرها، وأضعف الإيمان أن تذكر تضحيتها إذا ذكر اسمها، ولو أن ليلى عصرنا قدمت لمسرى نبيها ما قدمته في عصر ليلى العامرية لما عرفت ليلى ولا مجنونها.

فهل من ميت في هذه الأمة إلا من تغافل وجحد صورا من صور البطولة  التي ضرب الله تبارك وتعالى فيها المثل للكون كله.

قانون في الكون يقول فيه ربك تبارك وتعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) في كل عصر تتدافع دول عظمى لتحقق التوازن في الأرض، وفي هذا العصر تفرد راعي البقر بطيشه مع فرعون العصر شارون بطغيانه، فانسحبت من أمامهما دول وممالك في الشرق والغرب، فمن سيضمن تحقيق التوازن؟ إذا انسحبت الدول العظمى من الوقوف في الكفة المقابلة لهذا الطغيان فسوف يكلف الله تبارك وتعالى بهذه المهمة أفرادا من هذه الأمة. مهمة عرضت على الدول الكبرى والمالك العظمى فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، فحملها طائفة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم صبروا وصابروا ورابطوا متمسكين بقول نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من جابههم، إلا ما أصابهم من أذى حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، قالوا: وأين هم يا رسول الله ؟ قال: في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.

المسلمون يمرون على الأحداث مرورا ظاهريا ولا يتدبرونه. فرعون العصر شارون الذي دنس الأقصى أين هو الآن؟ صار جسدا بلا روح معلقا بين الحياة والموت. أراد الله تبارك وتعالى أن ينجيه ببدنه ليكون لمن خلفه آية، أراد الله تبارك وتعالى أن يطول المشهد الأخير من حياته  حتى لا يعتذر مسلم بسرعة انقضاء المشهد قبل معاينته والتدبر فيه.

هذا هو حال الفرعون الذي كان يتبجح بدولته الكبرى التي زعم أنه سيتوسع بها لتمتد من نهر الفرات في العراق إلى نهر النيل في مصر.

بم بدد الله تبارك وتعالى أحلامه حتى نكص على عقيبه فما مد ولا امتد بل ضيق حدوده وبنى جداره العازل، بأمثال دارين وعندليب ووفاء وليلى،  بالحجارة  والصدور العارية دفعوا عن بلاد المسلمين من نهر الفرات إلى النيل فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟

هل من جزاء أقل من أن نعترف لهم بالبذل ولا نجحد لهم الفضل؟ هل من جزاء أقل من أن تذكر أولادك بتضحياتهم؟

وأدنى درجات الإيمان إذا أصر من أصر على خذلانهم أن يكف لسانه عن تخذيلهم، حسبهم أن نبيهم محمدا صلى الله عليه وسلم قال فيهم: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك) نسأل الله تبارك وتعالى أن يفرغ على قلوبهم صبرا وأن يثبت أقدامهم وأن يمتع مستضعفيهم بالنصر وتحرير الأقصى كما متع مجاهديهم بالشهادة