بداية العام الدراسي الجديد
بقلم الشيخ إبراهيم الحمدو العمر

ياسر الحياة الخالد ! إنا نسلمك نفوسنا لنأمن من غوائل الدهر وغدر الأيام ،
وياجلال المستقبل ! المجهول إنا أعددنا لك الرضا والتسليم لنطمئن من عناء النفوس وتعب الضمائر ،
ويا ظلمة الماضي الأزلي السحيق ! تغلغلي في زوايا النسيان فإننا ننتظر إشراقة شمس الأمل من الأفق الشرقي ،
ويا أيتها الأزهار المتفتحة ذات البهاء والرواء ،
ويا أيتها البلابل المغردة ذات الصدح والغناء !
ويا أيتها النسمات العليلة! أفيضي من سحرك على القلوب البائسة والأنفس اليائسة لتخففي من عنائها
وياذرات الكون سبحي بحمد ربك وقدسي مولاك
فإن أمر الوجود بين يديه ومرد الجميع إليه.
أما بعد :
تفتحت روحي بمشاعر من الأمل مع إحساسي برهبة وقشعريرة من خوض المستقبل المجهول والعوم في بحره الهائج الغضوب كل ذلك حين مد العام المنصرم يده ملوحاً إلينا مودعاً إيانا لتبتلعه موجة النسيان في الماضي الأزلي السحيق ، وحين أطل هذا العام بوجهه الوضاح الباسم تغرد بلابله وتتفتح أزهاره مؤدية تحية الاستقبال لوفود العام الجديد متضاحكة في رباها ساجدة في محراب جمالها الأقدس تالية صفحة من آيات إبداع الخالق في خلقه .
وأطلت شمس اليوم الأول وظهرت أولى خيوطها من بين فرجات الغمام موشاة بلونها الفضي بعد أن اغتسلت بنهر الحياة الخالد فمنحها سر الحياة من جديد وأفاضت هذا السر على أفراد الوجود فصحا الكون يسبح بحمد ربه ومسح أفراده الكرى من عيونهم يقدسون ويهللون ويستقبلون عاماً جديداً .
والشمس ربة الحسن تبسم لنا من بعيد تحمّل أشعتها هدية العام الجديد تبعث في نفوسنا أملاً ومحبة وترجو لنا وئاماً وسلاماً وتفتح لنا فتحاً جديداً من عالم المجهول تريد أن تضيئه لنا بأشعتها وهي تقول لنا : ثقوا بالله ولا تيئسوا فإن الله سخرني لإنارة الدجى وبعث الحياة في المخلوقات ، بعد أن أسلمت زمام حياتها لخالقها وبارئها في نومها (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42الزمر)
أخي الطالب : إن العام الجديد يحملنا على جناحيه ليقطع بنا مرحلة جديدة من مراحل العمر وتمخر بنا سفينته عباب بحر الحياة لتضعنا وترسي بنا على الجانب الآخر
فماذا أعددنا لهذه المرحلة الجديدة؟؟؟!!
إن العيش على الأمل سراب خادع لايساوي في ميزان الحقيقة شيء ولا يزن عند الله جناح بعوضة فلا ينبغي أن يعرف شيء طريقه إلى نفوسنا غير الجد ولا يتسرب شيء إلى قلوبنا غير التقى والصلاح وكل شيء ينبغي أن يخطئ الطريق إلى عقولنا إلا العلم والمعرفة
إن البدايات تسفر عن النهايات وتنبئ عنها فهل أعددت العدة أخي الطالب وتزودت بزادك لتسير في قافلة العلم والمعرفة فتفوز بنجاح مشرق وسبق مشرف في آخر العام أم أنك تعللت بالأمل وطول الوقت وقلت لازال أمامي منفسح من الوقت متى هممت نلت مطلوبي ومقصودي إن كان ذلك كذلك فأنا أقول لك من البداية : لقد صاف سهمك وأخطأت المرمى ولم تصب الهدف ، ومثلك في هذه الحالة كمثل الأرنب التي سابقت السلحفاة فغرتها سرعتها وبطء السلحفاة ولم تعلم أن مايدركه المجدّ بجده ونشاطه ومثابرته أضعافَ أضعافِ مايدركه الخمول مهما كان ذكياً ومهما كان سريعاً فذاً ،
لقد كانت هذه الأرنب تلعب على العشب المريع وهي تزهو بنفسها وتعجب بسرعتها والغرور قد أعمى عينها وقلبها عن الحقيقة فينما هي في إحدى جولات اللعب هذه تنعم بالراحة متمددة على بساط العشب السندسي الأخضر إذ أدركتها سنة من النوم وأخذتها إغفاءة طويلة فلم تستيقظ إلا بعد وصول السلحفاة إلى الغاية وسبقها إلى الهدف معلنة أن السبق والنصر للمجد وإن كان ضعيفاً بطيئاً وأن الفشل والخذلان للمتكاسل المزهو بنفسه المعجب بسرعته وذكائه ولتقول : لنا أن الملتفت لايصل ،إن القافلة لاتنتظر أحداً .
فخذ من نفسك لنفسك ومن أول عامك لأيام الامتحان وسدد وقارب وضع الإخلاص أمام عينيك تنل غايتك وتحصل على العلم النافع بإذن الله جل وعلا
واعلم أخي أنه لاقيمة لعلم بدون إخلاص ، ولا فائدة لمعرفة بدون أدب ، ولا جدوى ممن يحشو عقله بالمعلومات وقلبه فارغ من المعاني ، ولو أفاد ذلك أحداً لأفاد إبليس اللعين .
فليكن مع علمك الإخلاص ، ومع معرفتك الأدب ، ومع تفتح عقلك إنارة قلبك ،
واعلم أنه من لم تكن بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة ، وأن من جد وجد ومن زرع حصد ومن سار على الدرب وصل
ومن طلب العلا من غير كدّ * أضاع العمر في طلب المحال
والحمد لله رب العالمين .